الثلاثاء، 14 أبريل 2015

أصحاب الأحلام .. يموتون مرتين

أصحاب الأحلام ..  يموتون مرتين
..............................................
أزمتي مع هذا الجيل، كانت التأصيل، ولم أكن أجد غضاضة في إعلانها صريحة: إن غباء اليسار في زمن السيولة أن حوَّل البوصلة من يسار السلطة إلى يسار الله. وبدلا من أن يهبط إلى حيث المهمشين قضيته الكبرى، هبط إلى خطاب التماهي الساذج مع السلطة التي حددت منذ البداية الأعداء الحقيقيين لها.

لم تكن ملامحها تحمل نفس البهجة، متوترة، تشتكي لمن حسبته كبيرا، خلافا من جملة الخلافات المجانية الكثيرة التي تزخر بها الإسكندرية، في صراع الشعراء حول الوجود واللاوجود. كنت أعلق للتهدئة، رغم يقيني بخسران القضية كلها.

بعد ذلك، تدافعت عليها السنوات، بدت أكبر، رقيقة كالعادة، لكنها مُسهدة العينين، ممتلئة بالدخان وبعض ليل.
دلفت برشاقتها المعهودة من أحد أبواب القهوة التجارية، فوجئت إنها تتذكرني، عرجت عليا وسلمت وبحميمية أكبر من اللقاء الأول، والذي كنت فقط أسمع ما تبثه من شكوى للشاعر الكبير.

 على هامش تظاهرة مسرح بيرم التونسي يوم الاعتراض على وزير ثقافة الإخوان، وكنت مارا بالمكان، حيَّت السيدة التي كانت بالجوار، وحيتني بذات الروح، ورحنا في حديث أكبر.

بعد كلام كثير، بدت عليها بعض البشاشة حين عرجنا على "عبد الغفار شكر" والذي كان رأيي فيه إيجابيا نسبيا، فالرجل في يقيني لم يبع كراساته في المطلق على غرار "رفعت السعيد" واستثمر الوقت في تأصيل متمهل لقضايا اليسار، وعلاقته بالمجتمع في مناخ الاستبداد، وعلاقة تيارات الإسلام السياسي بالقاعدة الشعبية.

حزنت في هذا الحوار مرتين، وجدت حماسا لم يكن هناك ما يبرره من وجهة نظري، ولم أجد ما راهنت عليه. تتحدث من عناوين عريضة، وبالانتقال إلى مشكل التفعيل كنت أصدم في الرؤى التي لا تتناسب بأي حال مع تجربتها التي حسبتها أعمق وأطول. على الجانب الآخر أشفقت عليها إذ اعتقدت ساعتها إني يساري متخف، تريد مخلصة استعادتي للحظيرة من جديد، والحق فموقفي من اليسار لا يعني رفضا كاملا للأطروحة، لكن ما أعلنته لها: إن اليسار موجود، لكن لا يوجد يساريون، ثم انتقلنا للحديث عن أدوار بعض النخب، ومنهم يسري فودة في تدعيم التيار الذي تنتمي إليه، الأمر الذي أثار حفيظتي قليلا.

كانت في يقيني بعد هذا الحوار تؤكد انطباعاتي الأولى، فتاة بريئة وحالمة، تجسد حيرة جيلها، فهمت القصة من خواتيمها، ولم تنبش جذورها وبداياتها، وتلقت أفكارها في أسوأ فترة عاشها اليسار بطول تاريخه. يسار الفصاميين والدجالين، وليس يسار"محمد عباس فهمي" و"عيداروس القصير" وغيرهم. اليسار الذي دفع "أروى صالح" أن تكتب"المبتسرون" كي تفضح هذه النخب الضالة التي باعت حلم البسطاء في حظيرة الاستبداد، ومن ثم انتحرت بإلقاء نفسها من شرفة برج قاهري أنتجه الانفتاح السبعيني، منهية ذلك الجدال العنيف بين الحلم والواقع. 

مؤكد لم يكن عندي موقف واضح منها كشاعرة قصيدة نثر، بيد أن موتها أزعم أنه أهم قصيدة كتبتها على الإطلاق. 

ماذا فعل الله ببلال فضل؟

  في المبتدأ لن أميل لكون ما سأكتبه نقدا أو مراجعة، أو حتى رأي انطباعي، رغم الاعتراف بوجود الغواية الكافية؛ كي أتصدى لقراءة الرجل وأنا مُحمل...