الجمعة، 1 أبريل 2022

قطايف البرنس

 

في بعض الأحيان أعتقد أن عظمة القرآن تكمن في الظرفية الزمنية التي تقرأه فيها، أو تسمع بعضا من آياته. ومن هذه النفحات..{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

 

في حقيقة الأمر كانت هذه الآية تعبر عليَّ كغيرها؛ لتصيب أثرا محدودا في نفسي. وعلى الضفة الأخرى لم أكن شاهدا على خروج أمي من الدنيا، فلقد كنت مأخوذا بغربتي. لكني سمعت ممن شاهد لحظات النهاية إنها كانت شاردة وقلقة، وأسرت لشقيقتي الكبرى بوصية أن تهتم لأمري إن عدت. وكان الشائع أن أخي المغترب مثلي كان له في قلبها مساحة أكبر من الجميع، فظنت شقيقتي في البداية أن أمي بصدد أن توصيها عليه هو، ولست أنا. وما زاد الأمور تعقيدا أن سمعتها أخت أخرى تبكي، ولم يكن هناك من سبب للبكاء، وحين سألتها لِم البكاء؟ أجابت: كلكم ستبكون إلا هو. وها أنا ذا أبكي نيابة عنه. وحين سألتها مجددا عن أخي الغائب فقالت: لا .. أنا قصدي سومة، ثم أردفت: ياه لو يعرف إني مشيت!!

 

للآن لست أدري من صنع هذه الغيبوبة التي جعلت الجميع ينصرف وهو لا يظن أن أمي تتهيأ للرحيل. ومع تقديري لاجتهادات من يقول في تفسير الآية على ضوء الظاهر من مفرداتها وسياقها: إن قلب أم موسى كان فارغا من كل شيء عدا ذكر ولدها، أو من ذهب لكون قلبها قد صار فارغا من وعد الله بعد أن أغواها الشيطان إنها قد أساءت التصرف يوم ألقت بابنها في اليم. فإني أظن ظنا يقترب من اليقين أن العامية قد فسرت لي كيف ورغم وعد الله لها - وحيا - بضمان سلامة وليدها كانت تعيش حالة رعب كاملة على مصير ولدها، وما كانت (لولا أن ربطنا) إلا للدلالة على ذاك الخوف الكبير الذي ملأ قلبها حتى بدا من فرط الفزع خاليا، فاحتاجت من لدن رب عظيم لمزيد من التثبيت. فنحن في العامية نقول عندما يتحكم فينا الرعب: قلبي وقع في رجلي.

 

مؤكد أنا لست موسى، وأمي ليست في مقام من تستقبل الوحي الذي يجعلها مطمئنة حيال أيام غربتي. لكني في كل الأحوال ومن صوت عبد الباسط  تحديدا، استشعر أين كنت - رغم غيابي عن المشهد - من قلب أمي، وهذا المعنى يقتلني متى سمعت الآية تنساب من صوت الرجل بمثل هذا الشجن المتطرف. ولأن الإنسان ابن الغفلة أذكر يوم جنازة أمي الأخرى، وأم أعز صديق لي في هذه الدنيا، والشيخ يبتهل في دعائه على شفير قبرها أذكر أن دعا لها ولولدها الذي كان وقتها يعيش في كرب جدا عظيم. وكأنه يسرب من خلال ذاك الدعاء ما يشير للظلم الذي حاق بولدها في محنته، ولقلب الأم التي رحلت، ولم تكتحل عيناها برؤية أكبر أبنائها؛ حتى كاد قلبها أن يكون فارغا بنفس الدرجة.                 

ماذا فعل الله ببلال فضل؟

  في المبتدأ لن أميل لكون ما سأكتبه نقدا أو مراجعة، أو حتى رأي انطباعي، رغم الاعتراف بوجود الغواية الكافية؛ كي أتصدى لقراءة الرجل وأنا مُحمل...