إن هى إلا أسماء .. يقصدها
...................................
مفتتح
مفتتح
حاجتين بخاف منّهم وبيخلونى اعيط
دلع الكمانجة ف الصبا والكرد
وسورة الواقعة م الشيخ "محمد رفعت"
القصيدة
ممكن تحاولوا تسّندونى
يمكن اعرف اقوم
أنا أصلى من سنتين كده
ومفيش إيدين اتبرعت تنجدنى م الورطة
غاوى أمور المعيلة من صغرى
بشكل مش معقول
روحى ..بسلمها ف ثوانى للى يضحك لى
وبسيبنى ع الآخر..
لآخر شمعدان قايد ف روحه
وبعدها على طول ...............
مش عايز افتكر الوجع
بس الوجع ذاكرته وحشية
قادر يجيبنى لو حتى تحت الأرض ..
ف زيارة لواحد م الملوك السبعة
وطنى ..ماهوش ع الأرض دى
أنا وطنى أرض غريبة ماتطولهاش قدم واحد برىء منكم
برّاحة على ضلى
شايفينه متعوّر وبرضه بتلطوه
يعنى عاجبكم صوت صريخه
وهوّه سارح ف النشاز
أنا بعشق المزيكا والله
فحرام عليكوا تشمتوها ف اللى جايبنّى
"رابح بدير" دايس على دماغى
وفاتحلى ضهرى لتريقة عفاريتى على خيبتى
وانا..بسذاجتى وبعبطى العفيف
سلمته صك محبتى وتوحدى
مع ذاته اللى ما بتشبعش موت
هوّه و"أيمن عبد الرسول" واحد
وبرؤيتى العانس
أنا شفتهم ضدين
(ياه ع الغبا)
ده "حسام حسين" شايفه هناااااااك
واقف وبيقولها مابين نفسه وبينه
وكأنه مش عايز يقول إنه بيوصفنى
من "أشرف الشافعى" بتبتدى المأساة
عشرين جنيه بصتلى من جيبه
و"اسكندرية"..من ساعتها بتتلوى
لو يوم شافتنا واحنا مش مع بعض
وف أول بلوزة حريمى بتتعتر فينا
سابنى ومشى
ما اعرفش ليه ؟
يعنى اشتكيه للأوليا
ولاّ اقرا حزب النصر على ضله وخلاص
يااااااااااااااااااااااااه
أنا عندى رغبة ف العياط فعلا
فياريتكوا تيجوا شوية على نفسكم
وتطبطبوا عليّه
.................
مما لا شك فيه ؛ أن القصيدة العامية عموما قد قفزت خطوات واسعة فى الآونة الأخيرة ؛ بل ويمكن ملاحظة هذا التطوير على مستوى الطرح الشعرى وتقنيات الكتابة عموما .
الطرح الشعرى المستند على خلفيات عريضة من واقع مجتمعى شديد الزخم والثراء ؛ وتلك التقنيات التى يمكن وصفها كتابة تتجه فيما تتجه إلى منحى حداثى بشكل أو بآخر ؛ وهنا أتجه بالحديث عن الحداثة فى تجربة الشاعر احمد الخدرجى ؛ أو ما كنت أصفه أحيانا أصالة الطرح الحداثى عنده ؛ بمعنى أن قصيدته الحداثية بشكل عام ؛ وحتى لا أظلم تجارب شعرية أخرى لم تقع عليها عينى ؛ لكن فى جملة ما طالعته عموما يظل هو على زعمى الطرح الحداثى الوحيد ؛ الذى يفهم تلك التقنية بشكل جيد ؛ بل وتشبّع بأعلى درجات الحداثة التى أخذت من شكل كتابته ما يمكن تسميته تلقائية حداثية إذا جاز لنا التعبير .
أهم ما يمكن أن تدركه العقلية القارئة بشغف لتجربته ؛ هو ذلك الطرح الشعرى الجرئ عموما ؛ إذا ما قورن بغيره من التجارب التى تحاول التماس ولو من بعيد مع الحداثة كشكل ومضمون يظهر بجلاء فى الكتابة ؛ ومن خلال لغة شعرية فى حقيقة الأمر ؛ لغة مفارقة تحتفل احتفالا كبيرا بذلك الجانب التدميرى فى اللغة ؛ أهم أركان الحداثة الجديدة من وجهة نظرى ؛ والصورة الشعرية التى لم تعد للمقاربة والتوضيح بقدر ما أصبحت سريالية إلى حد كبير ؛ ومستمدة من روح الشاعر ومن حالات الهدوء والتوتر التى تنتابه عموما.
هذا بالأضافة إلى كل تفاصيل اليومى والمعاش ؛ ومن تفاصيل التفاصيل بشكل عام ؛ للحديث عن كثب عن هذا اليومى ومن أجل إعادة ترسيم لهذا الواقع من منطلق حداثى على كل الوجوه .
لكن فى حقيقة الأمر نطالع اليوم قصيدة من قصائد العيار الثقيل حداثيا ؛ وهذا ليس ببعيد فى طرح شعرى أخذ على عاتقه وكما قلت سابقا عن نفس الشاعر ؛ أنه بالضرورة يكتب قصائده فى لحظة قد انتخبها بعناية أمام طبيبه النفسانى ؛ أو يكتب قصيدة تشبه إلى حد كبير اعتراف مذنب أمام كاهن كنيسة ليتخلص من رجس الخطايا والآثام .
وهنا تظهر هذه الإشكالية بشكل عارم ؛ وخصوصا أن المادة الرئيسية للقصيدة رغبة فى البوح بالوجع ومحاكمة أسبابه ؛ والخلوص بالضمير من كل أدران النفس التى مارست كثيرا من السقطات ؛ وعاشت على الدرجة نفسها كضحية لسقطات الآخر ؛ ثم تأتى خلفية القصيدة ككل متكامل مستندة على الواقع المُعاش ومن خلال تفاصيل شديدة الجور .
هل هذا الاستهلال هو الارتداد السريع من التمرد للإيمان ؟
فى حقيقة الأمر ورغم ما يمكن نعته لهذه التجربة من باب الظلم الغير مرتكز على ثوابت تدعمه ؛ أن نعتبر هذه القصيدة .. قصيدة ذاتية ؛ رغم تلك اللغة المشبعة بالعديد من التوجهات الشخصية والتفاصيل الخاصة ؛ التى ربما قد تخلق فى أذهاننا ذلك التوجه ، ولكن الدوران حول منعطف العتاب القاسى نوعا ؛ هو بالضرورة ولا شك ؛ يحمل فيما يحمل معنى القصيدة الصدمة إذا جاز لنا التعبير، ولكن ليس من منطلق ذلك الصدام الفوقى ؛ بل صدام أنداد ؛ فى معترك قصيدة هى عمومية فى تفاصيل مأساتها ؛ ولشخوص يشكلون منظومة إجتماعية متكاملة ؛ لكل فرد منهم مستوى معين من درجات التحمل لكارثة حياتية ؛ كانت سببا فى هذا الصراع الأيدلوجى التى تكشف عنه القصيدة بين مجمل أطرافها .
فى هذا المفتتح الغريب نسبيا ؛ يقف شاعرنا الخدرجى ومن خلال وجهة نظر خاصة ؛ كبطل من أبطال كمال الأجسام الذى يستعرض لنا فى تواضع الكبار تلك المنح الربانية التى صاغت تركيبه العضلى الفذّ ؛ وهنا أقصد ذلك المستوى المتطرف من بسط معطيات الحداثة فى الكتابة ؛ بل ويمكن القول هنا أنه مستوى شبه متطرف نوعا فى استعراض مقدرة شعرية حداثية تعرف بالضرورة ماذا تفعل وتريد من القصيدة فعلا ..
مما لا شك فيه ؛ أن القصيدة العامية عموما قد قفزت خطوات واسعة فى الآونة الأخيرة ؛ بل ويمكن ملاحظة هذا التطوير على مستوى الطرح الشعرى وتقنيات الكتابة عموما .
الطرح الشعرى المستند على خلفيات عريضة من واقع مجتمعى شديد الزخم والثراء ؛ وتلك التقنيات التى يمكن وصفها كتابة تتجه فيما تتجه إلى منحى حداثى بشكل أو بآخر ؛ وهنا أتجه بالحديث عن الحداثة فى تجربة الشاعر احمد الخدرجى ؛ أو ما كنت أصفه أحيانا أصالة الطرح الحداثى عنده ؛ بمعنى أن قصيدته الحداثية بشكل عام ؛ وحتى لا أظلم تجارب شعرية أخرى لم تقع عليها عينى ؛ لكن فى جملة ما طالعته عموما يظل هو على زعمى الطرح الحداثى الوحيد ؛ الذى يفهم تلك التقنية بشكل جيد ؛ بل وتشبّع بأعلى درجات الحداثة التى أخذت من شكل كتابته ما يمكن تسميته تلقائية حداثية إذا جاز لنا التعبير .
أهم ما يمكن أن تدركه العقلية القارئة بشغف لتجربته ؛ هو ذلك الطرح الشعرى الجرئ عموما ؛ إذا ما قورن بغيره من التجارب التى تحاول التماس ولو من بعيد مع الحداثة كشكل ومضمون يظهر بجلاء فى الكتابة ؛ ومن خلال لغة شعرية فى حقيقة الأمر ؛ لغة مفارقة تحتفل احتفالا كبيرا بذلك الجانب التدميرى فى اللغة ؛ أهم أركان الحداثة الجديدة من وجهة نظرى ؛ والصورة الشعرية التى لم تعد للمقاربة والتوضيح بقدر ما أصبحت سريالية إلى حد كبير ؛ ومستمدة من روح الشاعر ومن حالات الهدوء والتوتر التى تنتابه عموما.
هذا بالأضافة إلى كل تفاصيل اليومى والمعاش ؛ ومن تفاصيل التفاصيل بشكل عام ؛ للحديث عن كثب عن هذا اليومى ومن أجل إعادة ترسيم لهذا الواقع من منطلق حداثى على كل الوجوه .
لكن فى حقيقة الأمر نطالع اليوم قصيدة من قصائد العيار الثقيل حداثيا ؛ وهذا ليس ببعيد فى طرح شعرى أخذ على عاتقه وكما قلت سابقا عن نفس الشاعر ؛ أنه بالضرورة يكتب قصائده فى لحظة قد انتخبها بعناية أمام طبيبه النفسانى ؛ أو يكتب قصيدة تشبه إلى حد كبير اعتراف مذنب أمام كاهن كنيسة ليتخلص من رجس الخطايا والآثام .
وهنا تظهر هذه الإشكالية بشكل عارم ؛ وخصوصا أن المادة الرئيسية للقصيدة رغبة فى البوح بالوجع ومحاكمة أسبابه ؛ والخلوص بالضمير من كل أدران النفس التى مارست كثيرا من السقطات ؛ وعاشت على الدرجة نفسها كضحية لسقطات الآخر ؛ ثم تأتى خلفية القصيدة ككل متكامل مستندة على الواقع المُعاش ومن خلال تفاصيل شديدة الجور .
هل هذا الاستهلال هو الارتداد السريع من التمرد للإيمان ؟
فى حقيقة الأمر ورغم ما يمكن نعته لهذه التجربة من باب الظلم الغير مرتكز على ثوابت تدعمه ؛ أن نعتبر هذه القصيدة .. قصيدة ذاتية ؛ رغم تلك اللغة المشبعة بالعديد من التوجهات الشخصية والتفاصيل الخاصة ؛ التى ربما قد تخلق فى أذهاننا ذلك التوجه ، ولكن الدوران حول منعطف العتاب القاسى نوعا ؛ هو بالضرورة ولا شك ؛ يحمل فيما يحمل معنى القصيدة الصدمة إذا جاز لنا التعبير، ولكن ليس من منطلق ذلك الصدام الفوقى ؛ بل صدام أنداد ؛ فى معترك قصيدة هى عمومية فى تفاصيل مأساتها ؛ ولشخوص يشكلون منظومة إجتماعية متكاملة ؛ لكل فرد منهم مستوى معين من درجات التحمل لكارثة حياتية ؛ كانت سببا فى هذا الصراع الأيدلوجى التى تكشف عنه القصيدة بين مجمل أطرافها .
فى هذا المفتتح الغريب نسبيا ؛ يقف شاعرنا الخدرجى ومن خلال وجهة نظر خاصة ؛ كبطل من أبطال كمال الأجسام الذى يستعرض لنا فى تواضع الكبار تلك المنح الربانية التى صاغت تركيبه العضلى الفذّ ؛ وهنا أقصد ذلك المستوى المتطرف من بسط معطيات الحداثة فى الكتابة ؛ بل ويمكن القول هنا أنه مستوى شبه متطرف نوعا فى استعراض مقدرة شعرية حداثية تعرف بالضرورة ماذا تفعل وتريد من القصيدة فعلا ..
اللغة الضاربة فى كل أشكال الثابت للقصيدة التفعيلية ؛ والصورة الشعرية القادمة من لاوعى بعيد مضطرب ومختلط عليه العديد من المفاهيم والمدهش معا ؛ والدخول إلى أعمق التفاصيل من أجل أبراز عارم لكل أشكال المهمش من واقع الحياة المترامى الأطراف ؛ لكن تظل تلك الروح الجدلية التى أتت من خلال تلك الرغبة النهائية فى التماس الفاعل مع " دلع الكمانجة " وسورة " الواقعة" من صوت الشيخ " محمد رفعت " والحديث عنهما من منطلق نهاية شعرية قد جاءت مبكرا جدا ؛ فالمفتتح هو بمثابة الحقيقة الأصيلة التى توارت كثيرا وراء التفاصيل اللاحقة للقصيدة كبناء فنى ونفسى متكامل ومن قبل الخوض فى متاهات التفاصيل الدنيوية المغرقة فى الأسى على الدرجة نفسها .
لا أدرى تحديدا الخط الفاصل واقعيا قياسا على مشاعر هى بالضرورة مضطربة على الأرجح ومن خلال الجمع بين حالتين يستدعيهما " الصبا" و"الكرد" مقام الصبا كتجسيد للشجن العارم ؛ والكرد ذلك المقام الناعم المتهور فى جمال وبهاء ورقة .
أما عن سورة الواقعة ومن صوت الشيخ محمد رفعت ؛ فلا يمكن لى أن أتجاوز عبقرية الصوت التى أختارتها شاعريته عموما ؛ فصوت الشيخ رفعت عموما صوت يأخذ من مستمعيه سمة الثبات والمرجعية التى نقيس عليها الأصوات الأخرى التى صدحت بالقرآن ؛ بل هو على زعمى خير من يجسد المعنى القرآنى بصوته . فإن كان نعيما ؛ كان صوته المصدر لذلك الأحساس بالنعيم ؛ وإن كان خشية ؛ كان صوته دليلا حاسما على الخشية ؛ وإن كان الجحيم والبطش ؛ فصوته كذلك أيضا .
ممكن تحاولوا تسّندونى يمكن اعرف اقوم
أنا أصلى من سنتين كده
ومفيش إيدين اتبرعت تنجدنى م الورطة
غاوى أمور المعيلة من صغرى بشكل مش معقول
روحى ..بسلمها ف ثوانى للى يضحكلى
وبسيبنى ع الآخر..لآخر شمعدان قايد ف روحه
وبعدها علطول ..........
الكوارث والأحباطات النفسية أكبر من المجاز على ما يبدو ؛ فجاءت مفردات اللغة ذاتها هى من يتكفل بفعل البوح والسرد وليس الخيال سوى هنا فقط حيث الأمل فى نور يبدد العتمة والوحشة " لآخر شمعدان قايد ف روحه " ومن خلال مفردات لا يمكن أن تكون من منطلق حداثى قادمة من بلاد غريبة على طرح شعرى جرئ وقادر .
لكن يظل الأبرز هنا تلك الكتابة التى يمكن وصفها كتابة تجريدية إلى حد كبير ؛ وتلك الذهنية الشعرية ؛ وكأن الشاعر هنا قد نجح بشكل أو بآخر إلى حل المعادلة الصعبة ؛ فى القدرة على خلق شاعرية ذهنية أو ذهنية شاعرية تسير على خيط من حرير؛ ساعد على أبراز هذه الإشكالية مسألة الحديث إلى المجموع من الخارج ؛ وبلغة شاعرية آلت على نفسها تشخيص المأساة فى صورة طلب شديد الألحاح ؛ وهنا تظهر الحداثة فى الشعر كواحدة من الأطروحات التى تصل لأعلى درجات المصداقية ؛ فالواضح هنا أنه الشاعر يحكى واقع وليس بأى حال من الأحوال يعرض خيال شاعر ؛ " سنتين" فالمعاناة ممتدة على ما يبدو ؛ لكنها كانت شديدة الجور فى العامين الأخيرين ؛ ومع غياب شبه متعمد لكل يد من شأنها تقديم مساعدة تنقذ هذا الوضع المأساوى وكيانه من السقوط .
لكن فى إشارة شديدة الذكاء لم يحاول محاكمة المنظومة بكاملها وبحكم مطلق ؛ قدر ما كان يُحمل نفسه الجزء الأكبر المسئولية ؛ حيث لم تنجح الكوارث فى تغيير قناعاته فى البشر والتى تستند غالبا على براءة ظنه فى الآخر ؛ مثله مثل الطفل الذى ينبهر غالبا بوعود من يلوّح له بقطع الحلوى .
لا أستطيع محاكمة الإبداع ؛ وإن كنت اعتقد بالفرض الجدلى ؛ أن هذا الأعتراف بسذاجته فى مواجهة وعود الآخر أو الأمل المتوقع من هذا الآخر هو المحك التى تمتد عنده المأساة ؛ ؛ منافى تماما لما هو معروف بأن: إذا كان العالم لا يروق لك فبإمكانك أن تغيره .
فهل غياب الآخر مدعاة لأستمرار السقوط ؟
إن أجمل ما فى الطرح الحداثى هو قدرته الدائمة على تنظير الواقع تنظيرا جماليا ؛ ومن خلال أطياف من رؤية فكرية لرؤية هذا الواقع ؛ وحتى فى تلك القصائد التى تتمركز حول الذات ؛ لا يصح مطلقا أن تكون بمثل هذا التجريح الذاتى الذى لا يسعى لصياغة حل أو على أقل تقدير فتح باب للخلاص فى صورة إرهاصة حداثية على أقل تقدير .
مش عايز افتكر الوجع
الكوارث والأحباطات النفسية أكبر من المجاز على ما يبدو ؛ فجاءت مفردات اللغة ذاتها هى من يتكفل بفعل البوح والسرد وليس الخيال سوى هنا فقط حيث الأمل فى نور يبدد العتمة والوحشة " لآخر شمعدان قايد ف روحه " ومن خلال مفردات لا يمكن أن تكون من منطلق حداثى قادمة من بلاد غريبة على طرح شعرى جرئ وقادر .
لكن يظل الأبرز هنا تلك الكتابة التى يمكن وصفها كتابة تجريدية إلى حد كبير ؛ وتلك الذهنية الشعرية ؛ وكأن الشاعر هنا قد نجح بشكل أو بآخر إلى حل المعادلة الصعبة ؛ فى القدرة على خلق شاعرية ذهنية أو ذهنية شاعرية تسير على خيط من حرير؛ ساعد على أبراز هذه الإشكالية مسألة الحديث إلى المجموع من الخارج ؛ وبلغة شاعرية آلت على نفسها تشخيص المأساة فى صورة طلب شديد الألحاح ؛ وهنا تظهر الحداثة فى الشعر كواحدة من الأطروحات التى تصل لأعلى درجات المصداقية ؛ فالواضح هنا أنه الشاعر يحكى واقع وليس بأى حال من الأحوال يعرض خيال شاعر ؛ " سنتين" فالمعاناة ممتدة على ما يبدو ؛ لكنها كانت شديدة الجور فى العامين الأخيرين ؛ ومع غياب شبه متعمد لكل يد من شأنها تقديم مساعدة تنقذ هذا الوضع المأساوى وكيانه من السقوط .
لكن فى إشارة شديدة الذكاء لم يحاول محاكمة المنظومة بكاملها وبحكم مطلق ؛ قدر ما كان يُحمل نفسه الجزء الأكبر المسئولية ؛ حيث لم تنجح الكوارث فى تغيير قناعاته فى البشر والتى تستند غالبا على براءة ظنه فى الآخر ؛ مثله مثل الطفل الذى ينبهر غالبا بوعود من يلوّح له بقطع الحلوى .
لا أستطيع محاكمة الإبداع ؛ وإن كنت اعتقد بالفرض الجدلى ؛ أن هذا الأعتراف بسذاجته فى مواجهة وعود الآخر أو الأمل المتوقع من هذا الآخر هو المحك التى تمتد عنده المأساة ؛ ؛ منافى تماما لما هو معروف بأن: إذا كان العالم لا يروق لك فبإمكانك أن تغيره .
فهل غياب الآخر مدعاة لأستمرار السقوط ؟
إن أجمل ما فى الطرح الحداثى هو قدرته الدائمة على تنظير الواقع تنظيرا جماليا ؛ ومن خلال أطياف من رؤية فكرية لرؤية هذا الواقع ؛ وحتى فى تلك القصائد التى تتمركز حول الذات ؛ لا يصح مطلقا أن تكون بمثل هذا التجريح الذاتى الذى لا يسعى لصياغة حل أو على أقل تقدير فتح باب للخلاص فى صورة إرهاصة حداثية على أقل تقدير .
مش عايز افتكر الوجع
بس الوجع ذاكرته وحشية
قادر يجيبنى لو حتى تحت الأرض ..
ف زيارة لواحد م الملوك السبعة
وطنى ..ماهوش ع الأرض دى
أنا وطنى أرض غريبة ماتطولهاش قدم واحد برىء منكم
برّاحة على ضلى
شايفينه متعوّر وبرضه بتلطوه
يعنى عاجبكم صوت صريخه وهوّه سارح ف النشاز
أنا بعشق المزيكا والله
فحرام عليكوا تشمتوها ف اللى جايبنّى
مشهدية كاملة لكل ألوان التنكيل والعذاب ؛ وللمرة الثانية تقف التفاصيل والتى يمكن نعتها بأنها تفاصيل حداثية ؛ كل ما فيها ينطق بالحداثة فعلا ؛ كتابة مستمدة من حالة توتر عارم( الوجع ذاكرته وحشية) صورة متفردة كونها صورة ، ومتفردة كونها جزء لا يتجزأ من طرح حداثى فى قمة تجلياته ؛ ولغة جريئة فى ذاتها ؛ انطلقت خصيصا لا لكونها مفردات حداثية وحسب ؛ بل لأنها تعبير حقيقى عن واقع مأزوم ومضطرب ؛ لكن الشاعرية هنا قررت أن تخلص لشئ ما ؛ حق الحياة وحق البحث عن وطن .
قلت أن هذا الشاعر لا يكترث كثيرا ؛ من فرط جرأته التى يحركها طواعية الرغبة الأصيلة فى توخى أعلى قدر ممكن من الطرح الحداثى ؛ ولغته فى كل الأحوال مستمدة من أبعد ركن من هذا القاع الذى يحيا فيه جمهرة من المُهمشين ؛ لكن أحاول أثبت لنفسى أولا قبل الآخرين .. لماذا اعتبرت هذا الشاعر ومن هو مؤمن معه بالطرح الحداثى جيل يحمل على عاتقه تأصيل ذلك النوع من الكتابة ؟
وهنا لن أحاول الدخول فى سفسطات النقد " ولكن فقط سأترك الآخر ينظر مليا إلى تلك الأدوات الشعرية التى تمخضت عن الفطرة الشاعرة والأصالة الحداثية إذا جاز لنا التعبير ؛ ففى هذا المقطع تحديدا نرى مقولة المُهمش وكأنها حالة من حالات الاستعراض الحداثى الشديد الوعى ؛ يسير جنبا إلى جنب مع ذلك الفيض القادم من اللاوعي والعائد إليه فى انسيابية غريبة ؛ مع تدفق شديد لموهبة تكتب بوعى تلقائى نادر ؛ فعند "اواحد من الملوك السبع" لا يمكن تصوّر ما يمكن أن تعطيه تركيبة شعرية بهذا الفيض الواسع من الدلالات ؛ ولا مستوى النقلة التالية " وطنى .. ماهوش ع الأرض دى " ؛ إذن فالقصيدة تحاول السير من النفى والأغتراب إلى ذلك الوطن الهلامى ؛ بل وربما الوطن المستحيل الذى لا يمكن أن تطوله قدم واحد من هؤلاء "الأبرياء " ؛ أبرياء ؟؟
فهل هم أبرياء كأستمرارية لسوء ظنه القديم فى مستوى برائتهم ؟ أم أن وطنه بالضرورة لا يسمح للأبرياء بالتواجد على أرضه ؟
فى حقيقة الأمر أن قوة الطرد المركزية فى التركيبة كلها تسمح بكل التأويلات وتجعل منها مقبولة ولو حداثيا على الأقل ؛ فالتركيبة تستعد للوثوب فوق كل مناحى التشظى وتعود من جديد لمركزية الأحساس العارم بالغربة ؛ بل والغربة الشاملة ؛ فكل حياة الشاعر تنصب فى قناعة واحدة هى حالة الأفتقاد لشئ ما عموما ؛ تم تلخيصها فى وطن شديد الغياب ؛ وطن قد يبدو أسطوريا ؛ وغير محدد بأتجاهات محددة .
برّاحة على ضلى شايفينه متعوّر وبرضه بتلطوهيعنى عاجبكم صوت صريخه وهوّه سارح ف النشاز
أعتبر هذه الصور المتلاحقة ردّة إلى يقظة معينة ؛ انتبه فيها الشاعر لحقيقته الأزلية كشاعر ؛ ومن منطلق حداثيته فحدث عن السريالية ولا حرج ؛ وعن اللاوعى على الدرجة نفسها .
صور لا تكتسب قيمتها من خلال كونها صورة بقدر ما تكتسب قيمتها من سياقاتها ومفردات اللغة التى صاغتها والتى تعبر بجلاء عن قاموس عريض لا يواجه صعوبات كثيرة فى تأليف الصورة من منطلق بنائى فى الأساس .
"رابح بدير" دايس على دماغى
وفاتحلى ضهرى لتريقة عفاريتى على خيبتى
وانا..بسذاجتى وبعبطى العفيف
سلمته صك محبتى وتوحدى مع ذاته اللى ما بتشبعش موت
هوّه و"أيمن عبد الرسول" واحد
وبرؤيتى العانس أنا شفتهم ضدين
(ياه ع الغبا)
ده "حسام حسين" شايفه هناااااااك
واقف وبيقولها مابين نفسه وبينه
وكأنه مش عايز يقول إنه بيوصفنى
بالضرورة لا أعرف يقينا من هو رابح بدير ؟ وهنا أسأل عن أحتفالية الأسماء وخصوصا فى بنية القصيدة الحداثية .
لا يمكن ومن خلال وجهة نظر خاصة جدا أن اعتبر ظهور أسم لشخصية مبهمة للقارئ عموما على الراجح ؛ داخل القصيدة الحداثية ضربا من تناص ؛ وخصوصا أن إشكالية التناص إشكالية معروفة ومعروف على الدرجة نفسها آلياتها وتقنيات عرضها وهدفها بشكل عام .
وإن كنت بشكل شخصى أعتبرها ضربا من التماس مع هذه الشخصية الوارد ذكرها ، لما تنطوى عليه هذه الشخصية من تداعيات بالنسبة لمبدع الحالة الشعرية ذاتها، ولكن هنا اسأل .. كيف ستصل لى هذه الشخصية أو على الأقل لو بعد منها وأنا فى دائرة التلقى عموما ؟
اعترف بالصدق كله أن هذه المعضلة تحديدا هى من دفعتنى دفعا للكتابة عن هذه القصيدة ؛ وخصوصا إننى ألمح ما يشبه " الموضة" التى تعرض نفسها أحيانا بشكل قد يفقد معه المبرر لوجوده داخل الطرح الشعرى ذاته .
فى البدء نعترف أن الشخصية الوارد ذكرها داخل النص يقينا ؛ شخصية يعرفها الشاعر ؛ ومن منطلق هذه المعرفة ؛ فهى لها من التأثير الكثير أيا كان نوعه " إيجابا أو سلبا " على شخصيته وعلى تفاصيل حياته عموما .
هنا من المفترض أن تكون الشاعرية هى الشمس التى سطعت على هذه الشخصية المراد ذكرها ؛ ويكون الشعر وما به من تفاصيل هو مجموعة الظلال التى تكوّنت نتيجة سطوع هذه الشمس بشكل عام .
لكن هناك منعطف خطير يجب الألتفات له متى سعى الشاعر إلى ذلك ؛ حيث تظل على الدوام هذه الظلال تستعد لإنجاز مهمتين على درجة كبيرة من الأهمية :
الأول : عدم أختزال الشخصية التى تم التماس معها وذكرها . بمعنى أن يظل المعروض من تفاصيل شعرية قادر دوما على إقناع المتلقِ بجدوى ذكرها داخل السياق الشعرى وهدفه عموما .
الثانى : القدرة على التماس الفاعل مع هذه الشخصية بحيث يستطيع الشاعر خلق ضفيرة فنية تجعل من هذه الشخصية تحمل وظيفة الحتمية الدرامية داخل السياق الشعرى ؛ بمعنى ألا يكون التماس معها مستغربا أو مقتحما بآليات فنية ووجدانية تخترق الخط العام التى كانت تسير عليه القصيدة قبل ظهور هذا الأسم ؛ حتى لو كنّا نكتب أصلا من منطلق حداثى .
بتطبيق هذا على الشخصية الأولى " رابح بدير" نجد أن قوانين السياق والخط العام للقصيدة عموما قد أعطت المبرر الحتمى لوجودها ؛ حيث بات الشاعر مسحوقا بفعل إرادة هذه الشخصية ومن خلال نتائج هذا الأنسحاق والمستمر حتى قبل ظهرها ؛ الأمر الذى سبب كل آيات السخرية ومن خلال مجموعة " العفاريت" التى فُتح ظهره لها .
وفتح الظهر كتركيبة يجوز وصفها تركيبة سياقية منطقية ؛ أعود من جديد للتأكيد على شكل ثقافة المبدع هنا ؛ وحيث إنها تركيبة أزعم إنها لم تأتِ من فطرة شاعرية بقدر ما أتت من عقلية مولعة لحد كبير بعالم الجنّ والعفاريت عموما ، وما كان الظهر المفتوح سوى تركيبة منطلقة من مرجعية تعرف بالضرورة شكل هذه العلاقات اللغوية ومدلولاتها على الأرض كتبيان لحالة من يتلبّسه الجن أو يفارقه عموما .
ويستمر الإسقاط والتبرير والذى يأخذ شكل العتاب والقسوة فى جميع الأتجاهات ؛ وإتهام الذات بمقدار لا يمكن التسامح مع مفرداته من فرط سذاجة الرؤية ؛ الرؤية العانس ؛ الرؤية المنفردة لواقعها والتى لم تكن تستطيع رغم ما يحيط بها من تفاصيل أن تكون رؤية أكثر شمولية . وفى حركة شبه جدلية معكوسة تبرز لحد كبير مدى حداثية الرجل أو بالدقة فطرته الحداثية ؛ حين يقوم بتلميح شديد العمق بالرؤية المزدوجة التى كان ينشدها واقعيا فى حال تمرده على هذه الرؤية المنفردة ؛ فلا نعلم يقينا ، هل يمدح رؤيته العانس أم يقدح فيها ؟ وعلى الدرجة نفسها . هل يغبط الآخرين على رؤيتهم المزدوجة أم يحتقرهم ؟
المهم إنه فى النهاية ومن خلال هذه الرؤية مهما كانت ؛ فلقد جعلت من رابح بدير هذا وأيمن عبد الرسول شيئا واحدا .
" حسام حسين" أزعم إننى أعرف هذا الأسم بشكل مقبول نسبيا ؛ وأعرف إنه بالضرورة ذلك الشاعر الغريب فعلا ؛ لذلك جاء التناص مع " ياه ع الغبا " والتى يقولها سرا حتى لا يجرح شاعرنا فى صورة توصيف مضمر للحالة التى وصل لها مبدعنا " الخدرجى" . لا أريد هنا تجاوز هذه الشخصية التى تم التماس مع ذكرها عموما داخل القصيدة ؛ وخصوصا أن هناك ملمح قد يعطى لشاعرنا " الخدرجى" صكوك اعترافى بفهم صاحب الأسم كما أفهمه أنا على أقل تقدير .
قلت عن طريق فهم خاص فى ظروفه ؛ أن الشاعر " حسام حسين" دائما يقول رأيه فى السر ؛ فهو على الأرجح ليس من هواة التجريح عموما ؛ وكونه شاعرا مرهفا حقا ؛ فبالضرورة قد جانب الشاعر التوفيق حين قال : " ما بين نفسه وبينه " ؛ و" ياه ع الغبا " هى التوصيف الصادق لما آلت له أمور مبدع القصيدة التى نحن بصددها .
من "أشرف الشافعى" بتبتدى المأساة
عشرين جنيه بصتلى من جيبه
و"اسكندرية"..من ساعتها بتتلوى
لو يوم شافتنا واحنا مش مع بعض
وف أول بلوزة حريمى بتتعتر فينا
سابنى ومشى
ما اعرفش ليه ؟
يعنى اشتكيه للأوليا
ولاّ اقرا حزب النصر على ضله وخلاص
يااااااااااااااااااااااااه
أنا عندى رغبة ف العياط فعلا
فياريتكوا تيجوا شوية على نفسكم
وتطبطبوا عليّه
هى محاكمة أو تمهيد لمحاكمة ولا شك ؛ ولكنها على الأرجح نيّة الإسقاط والتبرير ؛ فكل ما ورد ذكره من أسماء داخل ذلك السياق الشعرى ؛ مُدان إلا قليلا ؛ أو للصدق " حسام حسين " فقط ؛ كرجل عبر عن انتقاده لمأساوية الوضع بدون تصريح .
من عند "أشرف الشافعى " تبدأ المأساة ؛ إذن فنحن الآن أمام جدلية الأسم ؛ وتفاصيل لمأساة ؛ من عند صاحب هذا الأسم تبدأ ، وكأن كل الأسماء الماضية ؛ كانت تتحرك فى مخيلة الشاعر بشكل اعتيادى على الأرجح ؛ وبدون التماس الفاعل فى صناعة مأساة بقدر ما كانت معاناة حياتية ؛ ومؤثرة فعلا .
كل الأسماء التى تم ذكرها فى هذه القصيدة ما كانت لتخلق القصيدة ؛ فإن أعتبرنا أن هذا حكم مطلق منّى ؛ فهل أمارس هنا جنونى إن قلت أن القصيدة برمتها ما كانت إلا كتقدمة للوصول بها لهذا الهدف و لهذا المنعطف النهائى ؟
أى أن القصيدة قد كُتبت خصيصا من أجل آخر أسم قد ورد ذكره فيها ؟
من الظلم اعتبار أن المأساة قد بدأت مع هذا الأسم ؛ وخصوصا أن المأساة حسب ما هو معروض داخل الطرح الشعرى برمته مأساة شاملة ؛ ومن الصعب ردها لمصدر واحد ؛ لكن يظل الإصرار الشاعر على أعتباره بداية للمأساة ؛ دليل حاسم على ظهور بعد جديد لهذه القصيدة ؛ يجوز وصفها بقصيدة أنفعالية ؛ وكُتبت تحت تأثير عارض مستفز نوعا .
أعترف بعدم معرفتى لكواليس هذه الكتابة عموما ؛ وعلى الدرجة نفسها لا أعرف يقينا كواليس هذه العلاقة الناشئة بين الشاعر والأسم المذكور ؛ وربما ؛ بل ومن المؤكد إننى أحمل قناعات ووجهات نظر جد واضحة فى صاحب الأسم ؛ لكن ليس هذا مبررا لى للقيام بعمل دفوع معينة ؛ تنفى عنه إنه كان بالضرورة بداية المأساة ؛ رغم التعريض بأن الإحساس بالمعاناة المالية الذى أبداه شاعرنا قوبل برد فعل إيجابى من صاحب الأسم وبتعبير جد واضح ظهر مع هذه العشرين جنيها التى خرجت من جيبه ؛ وكأنها كانت بداية لصداقة على درجة كبيرة من الحميمية .
إذن ماذا حدث ؟ والذى تعبر عنه القصيدة من منطلق فعل البوح الذى تمخضت عنه تطورات هذه الصداقة داخل القصيدة وفى منعطفها الأخير ؟
تحطمت أو تكاد عند أول " بلوزة" هذه الصداقة فى إشارة لشئ ما يتحرك فى عقيدة صاحب الأسم ؛ لا أستطيع السباحة فى مضامين هذا السرد الموجع غالبا ؛ ولا أستطيع التعامل مع ما هو معروض شعرا على إنه وحى ؛ وأنا مُلزم معه أن أصدقه بالكلية .
لكن على الدرجة نفسها ؛ فأنا أمام شاعر يعرف يقينا إنه من الصعب أن تُلقى التُهم جزافا على الناس ؛ فبالضرورة هناك أشياء كثيرة مسكوت هنا داخل هذا الطرح ؛ هى وحدها من تملك صلاحيات كتابة طرح شعرى قد يصل فى بعض مناحيه إلى آليات الشعر الفاضح نوعا .
وهنا أسأل . إلى أى مدى مسموح للبوح الشعرى أن يصل لهذا الشكل ؟
هل يجوز اعتبار هذه النوعية من القصائد . قصيدة موقف أو قرار ؟
هل يتم مواجهة المواقف الحياتية على سطور الشعر والتفاعيل ؟
كيف يمكن لهذه القصائد أن تواجه ذائقة المتلقى وخصوصا من يعرف صاحب الأسم بشكل شخصى ؟
اعترف يقينا هنا ؛ أن التماس مع أسم ( أشرف الشافعى ) تماس لم يكن من وحى السياقات السابقة من عرض شعرى مفعم بالأسماء ؛ وخصوصا أن الأسم الأول والثانى تماس من واقع بوح تقريرى سلبى لوقائع خالقة لكم معين من المعاناة ؛ والأسم الثالث لرجل متأمل إلى درجة كبيرة على زعمى قال رأيه بصراحته المعروفة والمعلومة لى بشكل قد يبدو مقبولا ؛ بينما الأسم الرابع والأخير بوح فى ظاهره وفى باطنه يحمل آليات تجريح وفضح بشكل أو بآخر ؛ بدت معه الجزئية الأخيرة من القصيدة وكأنها قصيدة منفصلة على أقل تقدير .
وللإجابة على السؤال الأول أقول :
إن البوح الشعرى بهذا الشكل قد يبدو لى هنا ومن خلال وجهة نظرى الخاصة ضد الشاعرية ذاتها ؛ حتى وإن أحتوت على تراكيب شعرية فى ظاهرها ؛ وإلا سنعود بالشعر عموما الحداثى خاصة إلى آليات قصيدة الهجاء القديمة التى كثيرا ما خلقت العديد من العداوات وخصوصا ودون أى مواربة يبدو الطرح الشعرى ذاته كطعن فى أخلاقيات أكبر من كونه طعنا فى سمات منظومة الشخصية غالبا .
وللإجابة على السؤال الثانى أقول :
هى بالضرورة ليست قصيدة موقف أو قرار ؛ فقصيدة الموقف تعبر عن شكل من أشكال رد الفعل سواء كان سلبيا أو إيجابيا إزاء ظرف أو مجموعة ظروف تقبع خارجيا ؛ وحتى لو كانت تتماس مع أشخاص ؛ فهى بالضرورة موقف ضد قناعات وأفكار ؛ بل يمكن اعتبار هذه القصيدة قصيدة سلبية إلى درجة وتكشف رغم شاعريتها عن طبيعة قد تبدو عاجزة عن مواجهة عيوب ومثالب الشخصية المعنية بفعل البوح ؛ والتى لا تتناسب مطلقا مع صداقة ؛ يبدو من خلال أطياف بعيدة نسبيا إنها كانت على درجة معينة من المتانة .
وللإجابة عن السؤال الثالث أقول :
إن الحياة واقع ممتد ، وشخوص تتحرك على هامشه ؛ فإن كان الحديث الشعرى منصبا على هذا الواقع ؛ فنحن بالضرورة أمام فن يستند على الواقع كما يجب أن يكون الفن ، كل فن .
أما مواجهة شخوص تحتل مكانا معينا على ظلال هذا الواقع من خلال الشعر ؛ فنحن شئنا أم أبينا نتحرك بالشعر فى إتجاه مغاير لطبيعة الشعر ذاته ؛ سيقول القائل أن الهجاء كان شعرا ؛ ولكن نعترف أن الهجاء من أكثر ألوان الشعر التى لم تحقق للشاعر نوعا من الخلود لكلماته ؛ بل كانت فى الغالب تخاطب المعنى بالهجاء فى زمنه ؛ وحتى لو أحتوت على مستوى متطرف من الشاعرية ؛ لكنها تظل على الدوام لا تحمل سمة الشعر الإنسانى الذى يتفاعل معه الناس عبر الزمن ؛ كما إنها بالضرورة ترسيخ لمعنى لا يليق بشاعرية من يكتبه ألا وهو ترسيخ معنى الضغينة والكراهية .
وللإجابة عن السؤال الرابع أقول :
إن ذائقة التلقى فى الغالب لا تكترث عادة بهذه النوعية من الكتابة ؛ بل يظل تأثيرها تأثيرا عرضيا ؛ ومقدار الإعجاب بها يزول مع الوقت ؛ بل وتكون فى عقيدة مبدعها إن كان صادقا مع نفسه ومع ضميره الإبداعى أقل ما كتبه مطلقا . لكن إذا كانت ذائقة المتلقى تعرف المعنى بهذا الشعر الآخذ سمة البوح والفضح والتجريح معرفة شخصية ؛ فلا يمكن الرهان على شكل الأحكام التى سيخرج بها القارئ بعد نهاية النص الشعرى الذى يحمل هذه السمات ؛ فربما خلقت لديه أحكاما غير صائبة فى حق الآخر ؛ وربما خلقت قناعات يعوزها التصويب والتدقيق ؛ بل ومهما بلغت الشاعرية مداها ؛ فمن الممكن أن تكون فى ذات اللحظة ، خالقة لجو من إدانة للشاعر ذاته ؛ حتى وإن كان هو المجن عليه غالبا من الشخصية التى تم تجريحها داخل طرحه .
تقفز القصيدة لإنجاز النهاية ومن خلال التعبير الشعرى المغرق فى تراجيديته ؛ حيث إنه ينشد الراحة بعد هذا التعب عموما ؛ ويريد أن يبكى ؛ ويبتهل أن يكفكفوا دمعه ؛ ويربطوا على كتفه فى هذه اللحظات الحزينة .
لا أدّعى هنا أن هذه القصيدة من أروّع ما كتب مبدعها ؛ وإن كانت واحدة من قصائده الجميلة عموما ؛ أحتوت على مناطق شعرية ؛ تدين له بالولاء من منطلق حداثى صرف ؛ ربما توارى قليلا المجاز والتخييل ؛ والمؤكد أن مرد ذلك للرغبة العارمة أصلا للبوح ؛ لكن يظل المفتتح أروع ما فيها على الإطلاق .
وحين أقول أروع ما فيها ؛ فأنا أقصد هنا دهشة الأستهلال ومقدرته التعبيرية عن مكنون الدواخل النفسية التى جاءت القصيدة كتعبير صادق عن بعضه ؛ لا عن مجمله ؛ وهذه ليست مثلبة تؤخذ على النص بقدر ما هى نقطة قوة عموما ؛ حيث جعلت من البوح اللاحق إجمالا صانعا لمقابلة معنوية ؛ وجعلت منه على المدى البعيد إظهارا لحقيقة تتوارى كثيرا تحت ضغط اللاحق لها من تفاصيل شعرية . لكن القصيدة إجمالا قصيدة تنتمى لشاعر مطبوع حقا وصدقا .