(1)
وطر الروح.. لم يحمل العنوان اسماً غرائبياً،
لكنه يكشف إلى حد بعيد وفقا لتأويلات(وطر) إنه المطلب والغاية والهدف والبغية التي
تسعى لإدراكها الروح.
توقفت كثيرا عند إشكالية الاختيار، ولماذا لم تكن
النفس بديلا عن الروح؟
أزعم أن النفس قد باتت في طور المصطلحات سيئة
السمعة بالضرورة، وأذكر أن قرأت على لسان أم كلثوم في حوارها مع الصحفي المهم
محمود عوض قالت:
إن نفسي هي أبغض كلمة إلى نفسي.
هنالك ظننت أن المطالب الإنسانية في حقيقتها ربما
ترتبط بالروح التي لا تفنى، ولا يطرأ عليها من زوال. وكأن النفس لا تتسق بأي حال
مع سرمدية الاحتياج الذي يليق بديمومة الروح حتى بعد الموت. وكأن طاقة الحاجة
كامنة فينا، لا يعطلها الموت نفسه. وعلى ميزان التوفيق في اختيار العنوان أحسب
الروح كبديل مشروع عن النفس قد يكون من سبيل المبالغة الدالة على شغف الإنسان
الدائم لإدراك الأشياء والمعاني، كما إنه يحمل سمتا صوفيا يفسر الأشياء بردها
لأصولها الغيبية.
"وطر الروح" أحسبها سيرة ذاتية للاوعي فصامي،
يعترف طوعا في سرد بديع بمكامن المأساة وانعكاساتها على الآن، والقادم من تفاصيل
درامية تخص الشخصية وتفاعلها اليومي مع عالمها.
ربما لم يحدث تحايل من الكاتبة كي تبدأ في السطر
الأول الحكي من الداخل {أنا راغب داود}. بعد هذه العتبة وإلى النهاية فجَّرت
الرواية العديد الإشارات، لعبة السرد، علاقة المتخيل بالواقعي، الإحالات النفسية
ودوافعها. وعلى الجانب الأسلوبي لمسنا حساسية الأنا الساردة مع اللغة، والتواصل
الشعري مع توصيف الأحداث، وبخاصة تحريك عناصر الحياة اللاواعية التي تحتاج للغة
على هذا القدر من الشاعرية القادرة بدورها على انسيابية الحركة بين الواقع
والمتخيل(إرهاصات لاوعي الشخصية).
"عشقي للشر من مستصغره إلى أكبره والذي كان يقطن كل نوافذي جعلني لا ألتفت إلى بصمة الله البديعة الوهابة لخلقتي أو استثمارها على أي نحو..وهكذا بقي وجه حاتم الذي كان يحمل روح العصافير عائقا بيني وبين سلامي الداخلي ليال طويلة.. تًبا لكل نظراته الرحيمة"
في حقيقة الأمر لا توجد سلطة للخطاب السردي
تجعلنا نثق في ذاكرة الحكاء، فإذا كانت طبيعة الراوي العليم إنه يسيطر على كل تفاصيل
الحكاية وشخوصها، فإن الراوي من الداخل ينقل بصورة فردية موقفه الخاص من العالم.
قد لا يتورط في إنتاج أحكام قيمة، بيد أن أزمتنا مع هذا الشكل السردي في إشكالية
التلقي، أو بالأحرى بلاغة أثر الأحداث المروية على محك الصدق، وهنا لن يجد القارئ
أزمة في تلقي الحكاية، أو الطعن في كون هذه الشخصية والشخصيات المتحركة في عالمها
لا تنتمي للواقع. دون التورط في محاكمة هذا النمط، الذي يُحاكم أصلا من خلال الذات
الروائية.
"وطر الروح" في نظري لم تخترع تيمة أراها
قد صارت متحققة كثيرا في روايات هذه الحقبة، وهنا أقصد حسابات المرآة، أو انتهاج
كتابة تبتغي التعرية، والفضح والكشف لنماذج بشرية تستحق الرصد والتحليل. لكن هذا
لم يحدث يقينا، بل ذهبت الرواية لما هو أبعد، لأننا يقينا أمام إشكالية متطرفة من
التحليل النفسي الذي لا يعري بقدر ما يبحث فيما ورائيات السلوك، منظومة الدوافع، الاتجاهات
وتكوينها، التعاطي المركب مع تفسير الشخصية لحركتها وحركة الآخرين.
هنا لا نقرأ مونولوجا دراميا. يشبه ما يحدث في المسرح حين ينبري البطل في حوار طويل يضيء به العرض، لكننا
نقرأ أحداثا تقترب من كونها حديث أريكة، وكأن المريض يسرد ماضيه كي نلمس منطقة
العقدة التي أنتجت هذا النمط المركب.
(2)
إن البنية السردية في هذا الإطار تخلق عالما
مسكونا بالحيرة والتخبط، تتمركز فيه الأزمة؛ كي يأخذ كل واحدٍ من شخوص الأحداث
نصيبه منها، فقد نلمس هذا الترابط الخفي بين الذوات في تشتتها وديمومة الشعور
العارم بالبحث عن استقرار مستحيل. الغريب أن صوت الساردة هنا جزء لا يتجزأ من
أصوات عديدة متشابكة ومتداخلة. لكن ما لم يجعلنا نشعر بفداحة هذا الطقس أن الزمن
الروائي كان طبيعيا ومنطقيا ويتحرك في انسيابية تتسق مع مفهوم الزمن الطبيعي وليس
الروائي في معناه. لذا رغم يقيننا في أزمة شخوص المتن، كنا نسير خلف الأحداث في
تدفق لم يجعلنا نشعر ببشاعة الأزمة بشكل ضاغط، وكذلك لم نندفع لإنكارها.
للصدق حاولت أن أفسر ذلك الأمر فوجدت:
إن العودة للمفهوم الشائع للسرد الغنائي هو
المسيطر على تقنية الكتابة، فالذات المركزية -عادة- لا تستطيع كسر الزمن الروائي،
وهنا أعني قيمة الاستباق(التقدم في الزمن) والاسترجاع(العودة للماضي) أو الإيهام
بالواقعية، أو على أقل اللجوء لتيار الوعي كأن نطلق لأنفسنا العنان كي نعلق على
الكتل السردية التي تنطوي في دواخلها على مناطق ملبدة بأزمات نوعية مركبة أو تكاد.
أو نكسر الزمن ونجمده ونختزله، لكن هنا لمسنا ببراعة عنصرا مهما من تيار الوعي وهو
الاستغراق في التفاصيل واللغة في ثوب التطرف الجمالي، والحوارات المُرمزة الشديدة
الإيحاء.
إن التقاطع الأدبي في الخطاب السردي دراميا لا
يمثل ركيزة أساسية لفكرة التصعيد التي ينبني عليها هذا النمط من السرد، بمعنى أن
منطقية الأحداث أو تسلسلها في إحكام لا يعني بالضرورة تقديس الزمن في المعالجة
الروائية، ولاسيما أن روح المونولوج ظلت للنهاية منطلقة من الصوت الواحد الذي أسس
الحكاية من بدايتها. وأزعم أن اللغة هنا كانت تنتصر لكسر التوقع من خلال سياقات
سردية تغنينا بشكل مؤقت عن شعورنا الطبيعي بالزمن الروائي الذي بدا في تدافعه غير
محتفل باقتحام قدري لأحداث مباغتة قد تكون قادمة من زمن آخر وحيوات أخرى. رغم أن
التأسيس المتوفر لشخصيات الرواية قد جاء من ماضٍ يتم سرده، وليس ماضيا يتم
استدعائه كي يقتحم لحظة السرد الآنية. أو لنعيد صياغة الحقيقة السردية بطريقة أخرى
أن نقول: إن الآن جاء من رحم ماضٍ سبق الإشارة إليه وبطريقة طبيعية للغاية.
فالرواية لم تبدأ يقينا من الآن. وهذا التوجه قد ينفي حدوث ما يفاجئ القارئ حال
تتبع مآل هذه الشخصيات. بل ويصادر على شكل النتائج التي لعب فيها الماضي دور
المقدمات إذا جاز التعبير. هنالك يشعر القارئ وكأنه أمام سيرة ذاتية متوقعة للراوي المركزي. لكن حتى هذا المعنى يمكن دحضه
فالخطاب الذكوري مع حضور الساردة الرئيسية(سيدة) قد يؤجل هذا الظن، وإن كان يحيلنا
- فرضا- لمعرفة يقينية تربط بين المبدعة والشخصية الرئيسية في روايتها. والرواية
برمتها قد اتخذت سمت المحاكمة لهذا النمط. من زاوية أخرى فإن الإشارة في زمن مرتبك
لنفوس على هذا القدر من التشتت ليس من دواع التشهير، بقدر ما هو نوع من إلقاء
الضوء على عوار بعض النفوس وإن كانت الإشارات هنا أكثر تماسا مع دوافع هذا العوار
وأسبابه. دون الوقوف كثيرا عند مشكل الارتباط العضوي بين الذات الساردة وشخوص
الرواية.
لاشك أن الإيهام بالواقعية في هذه الرواية قد
يكون مردودا عليه. وخاصة أن النماذج البشرية التي تماس معها المتن الروائي لا تبدو
غريبة بالكلية، فاليومي قد يمنحنا شخوصا على هذه الشاكلة، والظرفية الزمنية
والمكانية ليست خارقة للعادة، فالرواية هنا هي الحياة. بيد أن المتن في إشاراته
وإحالاته يدفعنا لإدراك مساحة أخرى من الوعي
المدروس الذي سبق عملية الخلق الفني، فعناصر التحليل للأزمات النفسية، ومشكل
الدوافع، ومكامن العقدة التي تتبلور بدورها لحتمية ما، تدفع بالسلوك لمنطقة معينة،
تكشف إلى حد بعيد أن الرواية هي في حد ذاتها هامش تفسيري لمتن آخر قد تم إخفائه(عالم
النفس الغامض). وأن الأحداث المروية ليست كاشفة عن أزمة بقدر ما هي شواهد على أزمة
أخرى أكبر وأعنف.
"طلابها يشعرون دائما أنهم شعب الله
المختار على هذا الكوكب.. يأكلون وسط رائحة الدمار، يشربون بكل هدوء أمام عفن الجثث لا
يبالون لشيء.. و ُرغم أني اعتقدت
أني المادة الخام للشر أحادي الخلية.. إلا أنني أبدا لا تستدعيني معطياته المأخوذة من الدم"
أني المادة الخام للشر أحادي الخلية.. إلا أنني أبدا لا تستدعيني معطياته المأخوذة من الدم"
لكن ورغم كل هذا من الصعب بمكان أن نشير هنا أن "وئام
أبو شادي" تمنحنا تصورا كليا للمجتمع، وبخاصة عند واقعية الأزمة، وأحسب أن
الرواية -أي رواية- لا تبتغي إنتاج أحكام قيمة حيال واقع على هذا القدر من
الارتباك.
في حقيقة الأمر ودون الرهان على كون الكاتبة(سيناريست)
في الأساس. كنت أسأل المتن في كل مرحلة من مراحل القراءة سؤالا مفاده.. إلى أي مدى
لا يمكننا كسر الزمن كي نحافظ على ما يمكن تسميته جماليات الترابط؟
بطبيعة الحال أستطيع القول إن أهمية هذه الرواية لا تكمن
في فكرتها، ولا للغة التي صيغت بها، رغم إقرارنا برهافتها وشاعريتها. ولا لمناخ
الجرأة على اقتحام التفاصيل، فالمناخ الروائي هنا يقدم بوضوح عالما يتصف بالخديعة
وانسحاق المعاني، اللامنطق واللاجدوى، الاغتراب والوحدة، وكثيرا من الملل والعبث. لكن
في إطار أكثر انضباطا من تفاصيل ذلك المناخ. هنالك يتقاطع المنطق مع شخصيات خارج
الأطر المنطقية، تعجز عن تفسير الأشياء. وآفة هذا الشعور تكمن في كوننا نلمس
الحيرة موضوعة وفق قوانين على درجة من الثبات وهذا ظل يشكل في نظري هذا الشعور
بالدهشة كلما توغلت في الحكاية، فكيف يمكن أن نلمس هذا الترابط وهو يحوي في داخله كل
هذا الكم من الاضطراب.
إن قارئ الرواية المتمرس قد لا يصادف أزمة تفسير هذا السمت،
إذا كان من الأساس من الذين يسيرون في فعل القراءة وفق قوانين السببية التي ترتبط
بمنطـَّقة الأحداث وتسلسلها الخالي من الوثبات الفجائية التي تضر حسابات السياق،
لكن بحسابات الممارسة الأدبية لم نلحظ لغة متوترة تتسق بدورها مع توتر الأحداث
وحيرة الشخصيات. وإن كنا قد لاحظنا تناولا خشناً يستطيع نبش الذاكرة كي تجتر
عذاباتها التي أثرت على شكل تعاطي الشخصيات مع عالمها وظروفه. ناهيك عن الإيغال في
الوصف على حساب التحليل الذي هو بطبيعته كان ركيزة الرواية.
(3)
توجد ثمة علاقة قوية بين التفاصيل المروية متى كانت
غزيرة ولعبة الإيهام بالواقعية، لأن التفاصيل حال تتلاحم وتترابط تنتج إلى حد بعيد
عالم الرواية إجمالا. لكن من جملة مناقب هذا المتن الروائي أن التفاصيل قد اتخذت
تخريجات جديدة. ولكنها أسست عالمين متوازيين يؤيدان هذا الفصام المنشود التي تريد
الرواية أن تلقي عليه الضوء. كما أن للأشياء سلطتها حيث تناكف شخصيات الرواية حتى
لتحيلها في بعض الأحيان إلى مجرد أطياف تقدم من خلال أثاث أو أكسسوار معين، كما أن
الأسماء رموز في ذاتها، قد تبرز كتهاويم أو تنزوي مهمشة تحت ضغط الأزمة.
إننا لا نرى عالما روائيا يجوز رصده إلا إشكاليا، تجاوز
المفهوم النمطي للعالم في تركيبه الإشاري الذي يمنحك تصورا جيدا عن الحركة. ومن
أين تأتي الحركة ونحن نقرأ توصيف الفعل وليس حركته في إطار وظيفي يمنح الزمن
مشروعيته، فالزمن هو ذلك الإطار الفيزيقي الذي يحوي أفعال البشر بين لحظة وأخرى.
لكننا هنا نطالع يقينا آثار الأفعال ودوافعها، الشخصيات المأزومة هي السمت الأبرز
وليس العالم بطبيعته الذي تتحرك فيه هذه الشخصيات، لذا من الممكن أن نبرر هذا
الشعور الخفي بانسحاق المكان والزمان أو ظهورهما الطيفي وكأنهما منسحقان كشخوص
الرواية. طرأ عليهما نفس التشوه. أو إننا نرصد جدليات ثنائية تتحرك فيها الشخصيات
كي تشرح أفعالها ومبرراتها وتغض الطرف أو تكاد عن مفهوم الظرفية التي تُخلق في
إطارها هذه الأفعال.
قد يسأل البعض أين ذهبت هذه الظرفية؟
أقول: إن النمو الاستعاري للأحداث المروية والمستند على
براعة اللغة الوصفية كان يخفي في طياته هذا الشعور بالمكان والذي تجلى كضباب، وبدا
الزمن على الضفة الأخرى وكأنه أكثر تشظيا وغموضا من البشر ولا يمكن الإمساك
بتفاصيله. وربما لو اندفعت في تبرير أكثر لهذه الإشكالية لذهب لكون العالم الروائي
قياسا على مركبات الأزمة النابعة من حياة أبطاله وعلاقة ماضيهم بحاضرهم لأدركنا
بلا شك أن الزمن لا يمكن إدراكه للذين استسلموا لنوازعهم وهواجسهم، والذين تمركزوا
حول ذواتهم. أو أن توقف الشعور ببلاغة الفعل والتأثير، غالبا يتجاوزهم هذا الشعور
بالوقت. هذا بالإضافة لعدم الشعور بالمكان أو يا ربما استحكام حالة من العدائية مع
هذا المكان ومن فيه.
"لأجد نفسي في
غرفة العناية المركزة في
المستشفى.. الأجهزة ترتدي كل جزء في جسمي.. وبدا كل شيء كالضباب وصفير يروح ويجيء في أذني..
أنظر للمكان وأحِدق
في الفراغ"
في الفراغ"
من جملة الأسئلة الإشكالية في هذه الرواية وأكثرها غواية
وإمتاعا أنها تبلور الأزمة والحل دون تلميح واضح أو إشارة مجانية في الحقيقة.
فعاطفة الحب مثلا حالة من التزام أخلاقي وليست مجرد لقاء رجل بامرأة لأسباب ليس من
بينها أن يكتملا. في إشارة ضدية لتجاوز متطلبات الجسد والاندفاع المحموم وراء
نزوات عابرة.
من زاوية أخرى الإشارة الواعية للأسقف المرجعية التي
تعصم الإنسان من مغبة الانزلاق في تهويمات لانهائية تعمق لديه الشعور الفادح
بالأزمة واليأس من حلها.
بطبيعة الحال لا توجد هنا قرينة أيدلوجية أكثر وضوحا
وبروزا من قضية الله، والذي يُمارس عليه نوعا من الدلال الذي لا ينفيه بأكبر من
التدليل الشفيف على الإيمان به.{ أتمرد على فروض الله وأسخر منها وأهجره الهجر
الذميم}. إذا
أخذنا العبارة على معرض الإقرار بالمعصية فربما انفلتنا من صدامية المعنى الظاهري لمكونات
الجملة. هذا إلى جانب أن المسكوت عنه يشير بوضوح أن لله فروضا قد تم تجاوزها.
"يا
الله ما أشد بطشك.. كيف أكفر عن كل ما فعلت.. كيف أضم يدي إلى
جناح رحمتك لتخرج
بيضاء من غير سوء.. أما زال لرحمتك باب يمر بي.. ما السبيل إلى وصالك ُدلني؟ ما السبيل؟"
إننا هنا لا نحاكم معتقدا في الحقيقة، ولا يمكن بأي حال في
إطار المجاز الأدبي على أقل تقدير أن نشير إلى حالة من السقوط تحيط بهذه النفس
التي تبحث عن خلاصها، فلا يوجد تناقض مرجعي بين حالة يأس عارضة تستوجب لجوءا مخلصا
لمن يملك أبواب الرحمة القادرة على استيعاب الحيارى. لذا من السهل على ضوء ذلك
المعنى أن نصادف الإشارات الإيجابية للتعامل مع فكرة الموت، بل وتأسيسه كمعادل
للحياة الحقيقية. والتلميح لكون أرض المقابر هي محتوى الأحياء وزوارها هم الموتى
يقينا.
الغريب أن هذا الطقس لم يأت من فراغ وخواء روحي عند
الذات الساردة، فالمتن في جملته على معايير الأسلوبية، قد يبدو احتفالية عبَّر
عنها هذا الكم من الترصيع الذي اجتذب النص القرآني أو استجلاء معناه في بنية
اللغة. (وما كان ربك
نسيا)، (ويسألونك عن الروح). وشواهد كثيرة لا يتسع المجال
لذكرها.
...
خاتمة:
وطر الروح مونولوج ممتع وشجي من البوح، يكشف في إطار
جمالي أزمة النفس والإنسان في المطلق على ضوء ما نعيشه الآن من اغتراب وانسحاق. حكاية
صيغت من أحلام وهواجس وزلات وانكسارات، كوابيس محفوفة بالإحباطات، وملفوفة بالحيرة
في مناخ قد لا يجد بوصلة تهدي فيه الحيارى. أو يا ربما كانت تؤسس في إمتاع الدرب
الذي ينجينا من هذه الملهاة المتناهية التلفيق.