الأحد، 29 نوفمبر 2020

مارادونا.. موت المتعة !!

عندما تموت ظاهرة استثنائية تنتمي لجيلي، أشعر وكأن جزء من عمري قد مات. بالأمس فقدت كرة القدم واحدا من أهم ظواهرها. وليس مجرد لاعب داعبت قدماه  يوما كرة كانت قبل أن يلمسها مجرد شيء مفرط في التفاهة.

أتذكر هذا اليوم جيدا وهذا العام، انتهيت وقتها من امتحانات دور مايو، وللأسف كنت أمتلك لأول وآخر مرة في حياتي طموحا واضحا أن أصير أستاذا للقانون لأن الالتحاق بسلك القضاء ليس مسموحا لمن هم منتمون لطبقتي الاجتماعية التي لا تعرف سوى الموظفين العاديين حد التسول.

كان عام 84 كرجل شغوف بكرة القدم هو عام ميشيل بلاتيني؛ يوم فازت فرنسا بالأمم الأوربية لأول مرة في تاريخها. وقبلها بعامين بمونديال أسبانيا عرفنا اللاعب السجين باولو روسي هداف البطولة آنذاك. وأقول على سبيل الجملة الاعتراضية واستنادا لذاك الشغف: إن ظهور مارادونا قد تأخر كثيرا فلقد كان من جملة الفريق الذي فاز بمونديال 78 لكن سيزار مينوتي وقتها ولأسباب غير مفهومة لم يدفع به. ونفس الأمر في مونديال أسبانيا الذي كان مقاما لإيطاليا التي أبدعت فيه، وخاصة بعد مباريات الدور الأول الذي تجاوزته بصعوبة وبثلاثة تعادلات غريبة.         

في 86 أستطيع القول أن من فاز بكأس العالم هو مارادونا والذي أهدى الكأس بدوره لبلاده. كانت بطولته المتفردة بكل ما تحمل الكلمة من معنى الخصوصية، بل أزعم أن هذه البطولة هي آخر ما شاهدناه من تفاصيل المتعة التي افتقدتها مع الوقت كرة القدم حتى ظهر "ميسي" الأسطورة الأرجنتينية الباقية. 

كنت أشعر عند مشاهدة مارادونا بما يشير لكراهية الغوغاء للمتعة، أو صدام الفن بجمهرة الرعاع. فكم العنف الذي مورس ضده كان لافتا جدا وأحسبه لم يتكرر مع لاعب بمثل هذه القسوة الغير مبررة. وأحسب أن الزمن اللاحق لمارادونا قد انتصر للمواهب وحماها من العنف إلى درجة لم يكن الرجل ليحصل عليها وقت كان يلعب ويبدع.

كان عقد الثمانينات في بداياته قد شهد حرب "الفوكلاند" التي نشبت وقتها بين بريطانيا حول جزر تدَّعي الأرجنتين إنها جزء من أراضيها. لذا كان الناس من المثقفين سياسيا ينتظرون شكل اللقاء المزمع بين مارادونا ومنتخب الأسود الثلاثة ممثل انجلترا التي اغتصبت الجزر الأرجنتينية في زمن الاستعمار البغيض. وشهد اللقاء هدفان لمارادونا يحتفلان بأعلى قدر ممكن من الطرافة والإبداع. حتى وإن كان واحدا منهما قد أحرزه مارادونا بيده. ويومها برر ما حدث بدعابة صارخة.. إنها يد الله. بينما كان هدفه الثاني هو التعبير الفعلي للقوة والفن والإصرار الذي كان غريبا على لاعب لاتيني سينتصر للفن قبل أن ينتصر للقوة. لا أدري إن كان الغل المترسب من صراع الدولتين السياسي قبل الصراع الكروي هو من دفع به أن يبدع هذا الإبداع الاستثنائي . لكن أذكر أن في مباراة بلجيكا قد أحرز مارادونا هدفا يقترب من هدف انجلترا في الحارس العملاق "بفاف" هنا تدرك أن كرة القدم تنتمي لكاريزما تنتمي لموهبة جدا استثنائية. لذا حين يموت من هم على شاكلة مارادونا يتحول الموت إلى حدث جلل فعلا، وليس مجرد موت مجاني لشخص عادي.             

ربما أعاد موت مارادونا للواجهة هذه الإشكالية المعقدة فعلا. السلوك الإبداعي ومدى ارتباطه بالسلوك الشخصي. في حقيقة الأمر ليست هي المرة الأولى التي تثار فيها قضية على ذلك النحو من التعقيد. فمنذ "رامبو" شاعر الفرنسية الأشهر والمسألة مؤرقة فعلا. إننا نتعامل مع بشر ولاشك فلماذا ننشغل بنقائص نفوسهم التي تمنعنا حسن التواصل مع إبداعهم. ولاسيما أن مارادونا في حالتنا له من الحضور ما جعلنا نندهش من تصرفاته خارج الملعب ولكننا يقينا لا نكرهه. بل إن محبتنا لكرة القدم مع وجود مواهب على غرار الرجل هي التي من شأنها أن ترفع معدلات حبنا لهذه اللعبة. ويكفي أن الرجل قد صار حالة أو وصفا لكل تفرد قد نراه يوما ممن يمارسون هذه اللعبة كأن نقول لعبة مارادونية أو هدف مارادوني في إشارة واضحة لكون الرجل كان استثنائيا فعلا.  

 

ماذا فعل الله ببلال فضل؟

  في المبتدأ لن أميل لكون ما سأكتبه نقدا أو مراجعة، أو حتى رأي انطباعي، رغم الاعتراف بوجود الغواية الكافية؛ كي أتصدى لقراءة الرجل وأنا مُحمل...