الجمعة، 11 ديسمبر 2020

أحمد الشمسي.. مبروك للعامية

لم أتعود خذلان من يراهن على فرحتي حيال نجاح حققه. وبالفعل أنا من أولئك الذين يحتاجون أن يلمسوا شيئا من فرحة؛ لأن معنى الفرح في حياتي شحيح جدا. لذا أتمنى بالصدق أن يفرح كل من أحبهم، وهو منهم ولاشك.  

يوم التقيت به في ليل إسكندرية كان الطقس شتويا إلى درجة. يقينا لم أشبع من الجلسة، ولم أسمع منه شعرا كثيرا، وإن كنت شعرت بشيء مختلف؛ وصفته وقتها بالشاعرية الخجولة. صوته هادئ، والشعر عنده عفوي إلى درجة كاشفة عن موهبة حقيقية، تبحث لنفسها عن موضع قدم في ساحة يغلب عليها الزحام الرهيب.

قلت إن آفة البحث عن نموذج يمكن الكتابة من خلاله هي أزمة هذا الجيل، لكنه على الواضح قد عانى كثيرا كي يختلف، ويكتب صوته الخاص والمنفرد. لذا إذا كان الشعر هو موقف أصيل من العالم يعبر عن مفهوم الهم الخاص للشاعر، فإن صوت أحمد الشمسي في ظني صوت أصيل، وعلى المدى المنظور سوف يتبلور في كتابة مهمة. لذا ولأني بعيد ولا أملك النية الحاضرة للاقتراب مجددا من الشعر وأهله، سأهديه هنا معنى المباركة لفوزه في القائمة الطويلة لجائزة ساويرس التي أحسبه قد دخلها بجدارة اختلافه، وشاعريته التي تتجلي في إبداع حقيقي. ولكم أتمنى أن أكون حيا لأشهد نجاحاته القادمة.     

 

الأحد، 29 نوفمبر 2020

مارادونا.. موت المتعة !!

عندما تموت ظاهرة استثنائية تنتمي لجيلي، أشعر وكأن جزء من عمري قد مات. بالأمس فقدت كرة القدم واحدا من أهم ظواهرها. وليس مجرد لاعب داعبت قدماه  يوما كرة كانت قبل أن يلمسها مجرد شيء مفرط في التفاهة.

أتذكر هذا اليوم جيدا وهذا العام، انتهيت وقتها من امتحانات دور مايو، وللأسف كنت أمتلك لأول وآخر مرة في حياتي طموحا واضحا أن أصير أستاذا للقانون لأن الالتحاق بسلك القضاء ليس مسموحا لمن هم منتمون لطبقتي الاجتماعية التي لا تعرف سوى الموظفين العاديين حد التسول.

كان عام 84 كرجل شغوف بكرة القدم هو عام ميشيل بلاتيني؛ يوم فازت فرنسا بالأمم الأوربية لأول مرة في تاريخها. وقبلها بعامين بمونديال أسبانيا عرفنا اللاعب السجين باولو روسي هداف البطولة آنذاك. وأقول على سبيل الجملة الاعتراضية واستنادا لذاك الشغف: إن ظهور مارادونا قد تأخر كثيرا فلقد كان من جملة الفريق الذي فاز بمونديال 78 لكن سيزار مينوتي وقتها ولأسباب غير مفهومة لم يدفع به. ونفس الأمر في مونديال أسبانيا الذي كان مقاما لإيطاليا التي أبدعت فيه، وخاصة بعد مباريات الدور الأول الذي تجاوزته بصعوبة وبثلاثة تعادلات غريبة.         

في 86 أستطيع القول أن من فاز بكأس العالم هو مارادونا والذي أهدى الكأس بدوره لبلاده. كانت بطولته المتفردة بكل ما تحمل الكلمة من معنى الخصوصية، بل أزعم أن هذه البطولة هي آخر ما شاهدناه من تفاصيل المتعة التي افتقدتها مع الوقت كرة القدم حتى ظهر "ميسي" الأسطورة الأرجنتينية الباقية. 

كنت أشعر عند مشاهدة مارادونا بما يشير لكراهية الغوغاء للمتعة، أو صدام الفن بجمهرة الرعاع. فكم العنف الذي مورس ضده كان لافتا جدا وأحسبه لم يتكرر مع لاعب بمثل هذه القسوة الغير مبررة. وأحسب أن الزمن اللاحق لمارادونا قد انتصر للمواهب وحماها من العنف إلى درجة لم يكن الرجل ليحصل عليها وقت كان يلعب ويبدع.

كان عقد الثمانينات في بداياته قد شهد حرب "الفوكلاند" التي نشبت وقتها بين بريطانيا حول جزر تدَّعي الأرجنتين إنها جزء من أراضيها. لذا كان الناس من المثقفين سياسيا ينتظرون شكل اللقاء المزمع بين مارادونا ومنتخب الأسود الثلاثة ممثل انجلترا التي اغتصبت الجزر الأرجنتينية في زمن الاستعمار البغيض. وشهد اللقاء هدفان لمارادونا يحتفلان بأعلى قدر ممكن من الطرافة والإبداع. حتى وإن كان واحدا منهما قد أحرزه مارادونا بيده. ويومها برر ما حدث بدعابة صارخة.. إنها يد الله. بينما كان هدفه الثاني هو التعبير الفعلي للقوة والفن والإصرار الذي كان غريبا على لاعب لاتيني سينتصر للفن قبل أن ينتصر للقوة. لا أدري إن كان الغل المترسب من صراع الدولتين السياسي قبل الصراع الكروي هو من دفع به أن يبدع هذا الإبداع الاستثنائي . لكن أذكر أن في مباراة بلجيكا قد أحرز مارادونا هدفا يقترب من هدف انجلترا في الحارس العملاق "بفاف" هنا تدرك أن كرة القدم تنتمي لكاريزما تنتمي لموهبة جدا استثنائية. لذا حين يموت من هم على شاكلة مارادونا يتحول الموت إلى حدث جلل فعلا، وليس مجرد موت مجاني لشخص عادي.             

ربما أعاد موت مارادونا للواجهة هذه الإشكالية المعقدة فعلا. السلوك الإبداعي ومدى ارتباطه بالسلوك الشخصي. في حقيقة الأمر ليست هي المرة الأولى التي تثار فيها قضية على ذلك النحو من التعقيد. فمنذ "رامبو" شاعر الفرنسية الأشهر والمسألة مؤرقة فعلا. إننا نتعامل مع بشر ولاشك فلماذا ننشغل بنقائص نفوسهم التي تمنعنا حسن التواصل مع إبداعهم. ولاسيما أن مارادونا في حالتنا له من الحضور ما جعلنا نندهش من تصرفاته خارج الملعب ولكننا يقينا لا نكرهه. بل إن محبتنا لكرة القدم مع وجود مواهب على غرار الرجل هي التي من شأنها أن ترفع معدلات حبنا لهذه اللعبة. ويكفي أن الرجل قد صار حالة أو وصفا لكل تفرد قد نراه يوما ممن يمارسون هذه اللعبة كأن نقول لعبة مارادونية أو هدف مارادوني في إشارة واضحة لكون الرجل كان استثنائيا فعلا.  

 

الأحد، 16 أغسطس 2020

روب كل سنة وأنت طيب

 

عزيزي روب


دائما ما أتذكر هذا اليوم؛ كي لا أظلمك في تقييمي، كون تراثك السينمائي في معظمة تجاري حد الصدمة. كنت مراهقا وقتها وفي واحدة من دور السينما المتواضعة في الإسكندرية، مدينتي الأغلى. هذه اللؤلؤة التي جلس على واحدة من مقاهيها "مارتي"* ولم يعرفه أحد، رغم إنها مقهى للمثقفين حسبما أفهم. كنت أنا المراهق الشغوف بالسينما قابعا في صالة العرض، أشاهدك عائدا من حرب فيتنام ويبدو أن تفاصيل هذه الحرب قد دفعت بك أن تعود من هناك لتكو Driver ن Taxiالذي رفض في حسم أن يقود نهارا لأنه لن يتحمل ضجيج نيويورك فآثر أن يقود ليلا، وحينئذ أكتشف عبثية الحرب التي لم تكن سوى لبسط الصولجان الأمريكي على الكون. فالليل كان مسرحا متسعا للجريمة والدعارة والانحلال النوعي الذي ضرب كل شيء.

عامان أو يكاد  وشاهدتك مولعا بصيد الغزلان The Deer Hunter. كان الفيلم ضاغطا جدا، لم أفهم أين هي الأزمة التي تجعل من حرب فيتنام أمرا ملحا لهذا الطرح الهوليودي. لكن يومها لم أهتم، لكن خرجت بذكرى وجه "ميريل ستريب" الملائكي، وهي تدعوك للرحيل لهناك؛ كي تأتي لها بحبيبها.

أتذكر كيف كان ردَّك حين سألك "مو" البدين ماذا كنت تفعل طيلة الثلاثين عاما التي خلت فقلت في لهجة اليائس: أنام مبكرا. فعلمت ماذا حدث ذات يوم في أمريكا. أعجبني إخلاصك لـ"روبرت ميتشوم" حين أعدت تمثيل فيلمه الانتقامي الأشهر Cape Fear  خليج الخوف. فنجحت أن تجعلني أكرهك حد النفور.

تطاول العمر يا "روب" وأعدت مشاهدتك. لكن كنت حريصا أن أراك فيما هو أبعد من الأكشن الذي لا أحبه عادة.  فتوقفت كثيرا عند the king of comedy فأدركت عبقريتك الفذة حين اختلط في يقيني الضحك بالبكاء. ولم ألمس قدر رومانسيتك وأنت تتأخر عن موعد"ميريل ستريب في falling in love ولمست العظمة في أبهى تجلياتها awakenings مع القدير روبين ويليامز. وهو يتصدى لعلاج توحدك.  لا يضرك ما سقط من تفاصيل الرحلة. لا لشيء، ولكن لأنك أخلصت لهذه المهنة. أحتاج وجودك كدليل حي على شبابي الذي ولى. يوم كنت قادرا أن أذهب للسينما دون أن أفكر في شيء غير استجلاب المتعة. لأني الآن صرت عاجزا أن أفكر في شيء أبعد من تصور عظيم الشجن والألم أن يأتي اليوم فلا أجدك في هذه الحياة سواء أنت أو القريب "باتشينو" لذا دائما أبتهج حين تعملان معا. أستمتع بحياتك يا رجل، وعدني إنك لن ترحل قبلي. وكل عام وأنت الشرير الجميل والإنسان النادر.

............

* مارتي= مارتين سكورسيزي

 

 

  

ماذا فعل الله ببلال فضل؟

  في المبتدأ لن أميل لكون ما سأكتبه نقدا أو مراجعة، أو حتى رأي انطباعي، رغم الاعتراف بوجود الغواية الكافية؛ كي أتصدى لقراءة الرجل وأنا مُحمل...