في المناطق الخلفية مع الفراشين
والعمال كانت المسافة التي تفصلنا عن الحفلة كبيرة نسبيا. ومكانها بالضرورة عبقري،
ملاعب التنس بـ "جرين لاند" قصر المنتزه. مسرح مصمم بشكل جيد، إضاءة
مبهرة، فرقة هاني مهنى الموسيقية. في ليلة من النصف الثاني لثمانينات القرن الماضي.
رجل طويل ورشيق، أذكره بدقة.
يرتدي بنطلون رمادي في درجة من درجاته المؤثرة. قميص أحسبه حريريا من نفس اللون. حذاء
كلاسيك رمادي أيضا، وفي يده علبة سجائر(كارتيير) سيجارة جُبلت أن أحترم من يشربها .
يسير في هذه المنطقة. يتحدث، ويشرح
أشياء لفتاة نحيلة، قصيرة بشكل لافت، وكذلك شعرها. ترتدي فستانا ورديا، جميلا
وبسيطا.
لم يكن لتخطئه عيني ساعتها
هو" سامي العدل". لكن كنت مندهشا وأنا أركز في وجه الفتاة كي أتأكد أن
هذه هي المطربة سميرة سعيد التي نراها في التليفزيون.
نادى رجلا يعرفه وطلب: خد
(سميرة) لمكانها. هكذا وبدون أي ألقاب. ثم عاد ليجلس وحيدا على طاولة بالقرب من
العمال الذين يتحركون بشكل دائب. يتأمل المكان والطقس والقصر. لم تكن الصورة تعكس
وقتها أكثر من مدخن شره. وكل تفصيلة في وجهه واضحة.. الأنف أنف، والعين عين. حتى
لتحسبه وجها فرعونيا مما نراه على جدران المعابد. أتته قهوة. رشف منها رشفتين
ونادانا نحن صعاليك مثل هذه الحفلات. نحاول أن نتصيَّد مكانا مناسبا للفرجة.
-
ناويين على أيه يا صياع؟
ضحكنا. شعرت أن صوته ضربنا. صوت
قوي وعميق. الغريب أن دعانا، وأمر لنا بشاي نشربه، وعلى طاولته. وراح يؤسس حديثا
منقطع الصلة عن "سامي العدل" الذي نراه على الشاشة. ابن بلد حقيقي، معلم
بكل ما تحمل الكلمة من معنى. كان الحديث منطلقا منه حول القصر، والملك فاروق، وكيف
لمكان كهذا ليس به مسرح. الغريب وبعد عام أو يزيد أسس جلال الشرقاوي مسرحا وأذكر
أن أول عرض كان مسرحية "بولوتيكا". أظهر ابتسامة ذات معنى حين قلت على
أثر سؤال عن انتماءاتنا الكروية إني زملكاوي. بعد صمت قام الرجل وطلب مني أن
أصطحبه وأودعني في آخر صف في الحفلة. وكأنه لم ير الاثنين الذين كانا معي. وتمتم بكلمات:
لو كانوا زملكاوية مش كان زمانهم معاك. وأطلق ضحكة كأنها الحرب.