قدرا أصادف صوته،
وتحديدا في رواق اليوتيوب. مؤدٍ بارع، بلاغة تأثيره تكمن في صدقه، وإحساسه المتطرف
بالكلمة التي يغنيها. وربما ذلك ما يعوض غياب الجانب التطريبي. العُرب والتريلات
والزخارف والتصدير.
الغريب في كل مرة أراه، يثب للمخيلة Ray Charles بنظارته السوداء، بيد أن صاحبنا مُبصر ، نبتهل لله
أن يحفظ له هذه النعمة.
ربما حضر مع الثورة
أو قبلها، لكن مع بواكير الحلم بالتثوير على أجنحة يناير، كان حاضرا، لا بشخصه،
ولا بصوته وحسب، وإنما كجيل كامل، جيل كان منتميا للغياب القهري، صرخ بهدوء، واحتج
في خجل العروس ليلة زفافها. وأزعم أن كل من جاء لهذه الدنيا في حقبة الستينات يشتمل
على هكذا صفات.
لم يكن ليدهشني لقبه
رغم غرابته، وأنا يقينا لا ينبغي لي أن اندهش، فعمة أمي كان أسمها { لا يُعلم }.
ولم تأخذني تقنية عزفه على الجيتار، رغم براعته اللافتة. أو تعاطيه مع كلمات
أغانيه، في أداء يقترب من المونولوج الفكاهي، لكن عنده كثيرا ما يرتدي واقعيته
الموجعة. لكن يأخذني دائما اتساقه مع نفسه، وتراجع مشكل وجوده لحساب قضيته التي
يبثها فنا للناس. هو في يقيني مطرب الثورة الحقيقي، وربما الوحيد، والذي جاء من
بعيد، كي يتنفس الحرية، والتي تعثرت قليلا قبل أن يكتمل مبناها و معناها. لكن على
الواضح أنه مازال يصدح، متسلحا بإيمانه، وبيقينه إنه قد طلَّق الخوف ثلاثا، لا
رجعة فيهم.