كان سعيد الجندي - رحمه الله- يكره بشكل – ربما – مبالغ فيه نسبيا القصص البوليسية، ويعتبر هذه القصص مثل النكتة القديمة، تُقرأ لمرة واحدة، ولو أن كُتابها استهلكوا هذا الوقت في كتابة شيئا آخرا؛ لكان أفضل لهم، وكنت أتعاطف مع رأيه في حقيقة الأمر، وإن كنت أضحك وقتها من دفاع مبارك حسين المستميت تحديدا عن هذا اللون من الكتابة، وتلك المناقشات الحامية التي كانت تنشب فيما بينهم . وكنت مؤمنا أن اللعبة البوليسية لعبة الأذكياء عموما، وأن الحبكة التي يصوغها الكاتب، وتكون مقنعة في أغلب الأحيان، هي بالضرورة دليل حاسم على وجود موهبة جيدة، تستطيع صياغة هذه الأفكار البوليسية، وإن كنت للصدق أعترف أن هتشكوك كان من أشد الناس تأثيرا في نفسي؛ عند مطالعة أفكاره الغامضة وخصوصا { الجريمة الكاملة- خلف النافذة} وكنت أنحني لذكائه في ربط هذه الأفكار الغامضة ببعضها ومن ثم وضع علامة التنوير في نهاية القصة.
لا شك أن من يطالع هذه المدونة يعلم بالضرورة إنني لا أتوقف عن ممارسة الجنون أحيانا، بل ويشاركني فيه بعض من أصدقائي المجانين أيضا، وربما حضرتني روح هتشكوك هذه، وأنا بصدد وضع تقييم مباحثي لمسألة ( سوزان/ هشام) تحت طائلة البحث الجنائي الذي يهدف إلى الوصول إلي قاتل هذه الفتاة التي تستحق الآن تحديدا لقب مسكينة، قتلها الجمال ربما، وربما الطموح المتهور إلى درجة قد تبدو متطرفة.
هي ليست (مارلين مونرو) هذا العصر ولا شك، رغم وجود بعض الظلال السياسية التي تلقي بظلالها على الموضوع في الكثير من جوانبه، حيث أن المتهم بالتحريض على القتل حسبما أتفق؛ عضو بالحزب الوطني الحاكم بمصر، وعضو بارز فيه على الراجح، وواحد من النماذج المعكوسة لكل ما هو معروف في مجال الممارسة السياسية ؛ حيث أن المال ربما يسعى للاقتران بالسياسة ومن أجل تنفيذ أجندة سياسية معروفة ومحددة{ بيرلسكوني مثلا} ، لكن السياسة – فقط في مصر- قد تصنع المال في نطاق حالة عارمة من سيولة الأوضاع بوجه عام .
مطربة لبنانية نصف مشهورة أو مشهورة ربما، ترتبط بعلاقة أيا كان نوعها، ورجل أعمال مصري ربما يصطف أسمه في قائمة أصحاب المليارات، جميلة مؤكد، وفيها الكثير من عناصر الأنوثة والإغراء، وهو بعيدا عن هذه التفاصيل يملك المال كوسيلة حاسمة ومؤثرة من وسائل الإغراء، كلٌ على طريقته. علاقة هي بطبيعتها لا تحمل شذوذا عن القاعدة المعروفة التي تؤيدها شواهد التاريخ، ماريا كلاس/ أوناسيس، جاكلين / أوناسيس؛ مارلين مونرو/ جون – روبرت كينيدي، إيفا/ خوان بيرون. والكثير جدا من هذه النماذج .
في حقيقة الأمر إنني سمعت بهذه القضية من خلال العديد ممن يدخلون لحياتي يوميا، وكانوا يعتقدون إنني أتتبع تفاصيلها بشغف، وهذا لم يكن حقيقيا كليا، فقط كنت انظر للقصة برمتها على إنها حتما تعبير واضح عن السفه الرأسمالي، وتعبير مهم عن شهوة المال حين يجتمع مع مفردات السلطة؛ وكنت للصدق أشعر بشيء من الشفقة على ( هشام طلعت) لمجرد إنه كيان مالي مُهدد، وإمبراطورية اقتصادية تحت الخطر، ومن منطلق تحليل نفساني في الأساس كنت أشعر إنه ربما يعاني من شيء ما، ربما انخرط في مملكة أبيه الاقتصادية بشكل مبالغ فيه، وربما لم يجرب الحياة العاطفية بشكل قد يبدو متوازنا، تزوج ربما بشكل تقليدي، وحين ألتقي بهذه الفنانة أحبها بعنف، وهنا انهار كليا.
كانت هذه مجمل الانطباعات التي تجمّعت لديَّ وأنا أتابع هذه القصة التي لم أكن أنتبه لها إلا من خلال بعض الأحاديث الجانبية سواء من ( مراد) أو (الصفتي) المقيمين معي بشكل شبه دائم، حتى التقيت بصديقي المشاكس { محمود عوض} والذي تحدث معي طيلة ساعتين وربما ثلاثة عن هذه القصة؛ ومن جميع تفاصيلها الظاهرة والمخفية، وعلمت منه أن المطربة للآن غير معلوم من هو زوجها، وأن هناك ثمة علاقات كثيرة تتشابك من رجال كانوا حولها، منهم من يمتلك مستندات يثبت بها إنه زوجها، وقضايا مُعلقة وأشياء من هذا القبيل، وأن (هشام طلعت) متهم بالتحريض على قتلها كإجراء انتقامي منها لأنه أحبها؛ وكان مستعدا للزواج منها، لكن أسرته رفضت ؛ تفاصيل كثيرة عن صراعات بين الكبار الذين يمتلكون كيانات اقتصادية عملاقة تريد تدمير مستقبل الرجل سياسيا واقتصاديا، وأن القاتل المتهم بتنفيذ الجريمة ضابط سابق بجهاز أمن الدولة، ولقد اعترف بتحريض رجل الأعمال له وإنه ابتزه كثيرا على سبيل أن ينفذ جريمته.
أعترف في هذا السياق أن صديقي كان مستغلا كبيرا لصمتي ، وراح يحدثني عن العديد من التفاصيل الكثيرة جدا، والمتشابكة، وحسب ما أنا أعرفه عنه من قدرة غير مسبوقة على السرد الجيّد لأي مشكلة يتعرض لها ؛ بشكل يدعو للإعجاب في حقيقة الأمر، كنت أستمع له بشكل لم يكن ليغريني أن أطلب منه أن يتوقف، على اعتبار إنه لا شأن لي بمثل هذه المسائل المقززة نوعا، لكن للحقيقة؛ روعة السرد كانت كفيلة بأن أسمع القصة منه للنهاية، وأنا أشعر ببعض المتعة بلا شك . لكن فوجئت به يسألني بعد أن انتهى من حديثه، تعتقد من هو قاتل سوزان تميم؟!
فقلت: أخي محمود !! غدا بإذن الله سأعطيك ما وصلت له من نتائج قد تكون قريبة من تصور ما، قفز لذهني الآن، وأعدك نتناول غدا الغداء، وبعدها نتحدث عن كل ما يشغلك، وظن في البداية إنني أتملص من الإجابة أو إبداء وجهة نظري، لكن وعدته؛ في مساء هذا اليوم سأفكر بجدية في الأمر، وبعد الغداء – غدا- سأقول له مجمل ما وصلت إليه. والغريب أنه جاء في الغد؛ رغم ما قاله أمس عن مشاغله الكثيرة، وبسخريته المعهودة طلب منّي أن أركز في كل كلمة سأقولها، وعلى اعتبار أن وجهة نظري كرجل بعيد عن دائرة الأحداث من الممكن أن تكون أكثر واقعية ممن هم داخل القضية، أكلنا وشربنا، واعترف أن {محمود} من الناس الذين لا تنقصهم الرذالة، فأصر أن يسمع منّي، ومن طريقة جلسته، وحركات يديه؛ ضحكت بعنف، واستأذنته في سيجارة أدخنها، رغم امتناعي عن التدخين في الفترة الأخيرة، كنت أجلس ملقيا ظهري إلى الخلف كعادة السنوات الأخيرة، ووجدتني أطلب بعضا من القهوة، والتزمت ببعض الجدية وأنا أتحدث إليه، لأني وجدت بالفعل إنه جاد إلى درجة كبيرة في أن يسمع رأيي، والذي لم يكن من جملته أن أجيبه عن سؤاله الرئيسي .. من قاتل الفتاة؟ فهذا بلا شك مهمة البحث الجنائي وأجهزة الشرطة، وفي الحقيقة اندهشت . كيف نجح صديقي في توريطي في التفكير في هذه المسألة ؟
اعتصرت جبهتي من أطرافها، وهي عادة قديمة غالبا إذا كنت بصدد التفكير في معضلة تواجهني وتذكرت التفاصيل التي حكى لي عنها. وهو بدوره طلب بعضا من القهوة وجلس في وقار لم اعتاد عليه منه وانتظر حديثي؛ وكان صبورا جدا في سماعي؛ نظرا لبعض التعتعة التي تنتابني أحيانا كثيرة، وبدأت أتحدث ؛ فقلت: أخي محمود !!
إذا قمنا بتحليل آليات هذه العلاقة الناشئة بين المطربة ورجل الأعمال على إنها نزوة عابرة، أو بالضرورة حب حقيقي، من جهته هو على الأقل، فليس انتهائها كفيلا بأن يدفعه لأن يرتكب جريمة قتل أصلا، وألا سيكون من السفاهة بمكان أن يغامر بمستقبله السياسي والاقتصادي معا، حتى لو تم ابتزازه ماليا على ضوء هذا الحب، فجملة ما خسره من مال، حتى وإن بدا كثيرا جدا، لا تساوي بأي حال من الأحوال مقدار ما سيخسره بمقتلها من مستقبل كان يبدو مشرقا ينتظره ولو في مجال { البزنس} على الأقل، بعيدا عن حظيرة العمل السياسي حتى. إذن أكاد أجزم أن هذا الرجل لم يقم بالتحريض أو التفكير في قتلها من الأساس، لهذه الأسباب مجتمعة فى المقام الثاني، ولأنه يحبها - إذا صح ما يُقال –في المقام الأول .
تعالى نفترض أن أجواء المنافسة هي التي خلقت مشكلة هذا الرجل- هشام- وساعدت في توريطه في هذه الجريمة بأي شكل من الأشكال، وهنا ستجد نفسك طوعا أو كرها تفكر في القضية من منطلق مؤامرة قد حيكت ضده، وهنا عليك أن تفكر فى أحد أمرين: المنافس، ومكان المنافسة.
فالمؤامرة فكرة تحتاج شخوصا تدير وتنفذ هذه المؤامرة، وبقعة محددة؛ أيا كانت : اعتبارية أو جغرافية، لكي تتم المؤامرة على شكلها الكامل، وهنا سأجد نفسي مضطرا للحديث عن مفهوم المؤامرة من منطلق مصري؛ لأقول لك بكل ثقة: إن الرغبة في إزاحة هشام طلعت نفسه من سوق تنافسي هو فيه لاعب أساسي يُخشى منه؛ أيسر بكثير من صناعة هذه القضية برمتها، مافيا التصفية الجسدية هي أقصى ما تعرفه العقلية التآمرية المصرية، فحياة المشير عامر لم تكن بأهوَّن من حياة هشام طلعت على النظام أو بطانته إذا كانت بالفعل تريد إزاحته. لذا أنا استبعد بالضرورة أن تكون إزاحته نابعة أصلا من كيانات اقتصادية تقبع في الداخل- مصر تحديدا- وواقعيا وقياسا على ما سمعت، لا توجد في مجال الاستثمارات العقارية من ينافس هذا الرجل، نظرا لضعف الكيانات القديمة التي كانت معروفة في السابق كنجوم في هذا المجال، وعدم ظهور من ينافسه في هذه المرحلة أصلا. ولا أعتقد أن إزاحته من منطلق سياسي مسألة ذات بال، فهو بالضرورة لا يشكل أي سمة تنافسية لرأس النظام الحالي، ولا على الدرجة نفسها نجله، إذا كانت مسألة التوريث مسألة قد باتت مُلحة إلى درجة يتم السعي لها بضراوة.
ربما تندهش إذا قلت لك الآن، والآن تحديدا: إن المجني عليه في هذه القضية هو هشام طلعت نفسه، وفي مؤامرة مكشوفة وساذجة إلى درجة كبيرة بالفعل، وإن عناصر هذه المؤامرة التي حيكت ضده ؛ هو بالضرورة واحد من عناصرها، وساعد عليها ؛ عندما لم يستطع أن يُفرق بين الطموح المتطرف لحبيبته، وبين عاطفة الحب ذاتها، وخصوصا أن البقعة الجغرافية التي قامت عليها هذه المؤامرة بقعة هلامية لا وجود لها، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعل منها في يقيني مؤامرة فاشلة يمكن فك طلاسمها بأيسر مما يتصوّر الكثيرون ممن يراقبون هذه القضية.
هذه الجريمة يتم تصنيفها في نظام عمل F.B.I جريمة تسلسلية، لم تكن أولا وأخيرا قتل المُغنية في شقتها بقصد الانتقام كما يُذاع، ومن هذا العاشق الذي أغدق عليها المال والمجوهرات والشقق الفاخرة وهي بالضرورة تخونه أو لا تحبه، فعندما وجدوها مذبوحة في شقتها ، كان ذلك بالفعل الفصل الثالث والأخير من مسرحية سبقها فصلان معروفان جيدا لبعض أبطال الرواية وليس جميعهم ربما، الغريب أن في منتصف العرض تدخل المخرج بشكل متعجرف كثيرا ليغير من شكل النهاية التي لم يكن أشد الناس تشاؤما يراهن عليها، خصوصا أن المخرج يمتلك القرار والمال والسُلطة .
أحبذ أن نسمي هذه المسرحية{ ضجيج الكهوف}، فعالم النجوم بوجه عام ، عالم مفعم بالخصوصية والأسرار المغلقة، والتي يصعب اقتحامها غالبا، ولكن دواخل هذا العالم قد تحتوي على حقائق صارخة وصادمة، أبطال هذا العرض هم حسب أهمية الأدوار ..
· سوزان تميم
· هشام طلعت
· والد سوزان
· والدة سوزان
· زوج القتيلة
· محسن السكرى
· شبح يدير اللعبة وغير معلوم إلا لمحسن السكري وزوجها في مرحلة لاحقة للعرض في صعوداته الدرامية المؤسفة؛ يعمل لحساب المنتقم الحقيقي( مخرج العرض) الذي لا يمكن أن نهتدي له نظرا للسياج الضخم المفروض عليه .
اعتدل محمود عوض في جلسته، وأخذ يحملق في وجهي بشكل مثير فعلا، هنا قلت : لا تندهش كثيرا يا صديقي، فالفصل الأول قد بدأ بإرادة منفردة من القتيلة التي نجحت في الوصول إلى توظيف وضعها ومواهبها للوصول إلى الأمان والمال والطموح في عملية كانت معلومة من البداية إنها ابتزاز ليس إلا، زوجة شريدة تمكنت من الهرب من زوجها، تاركة وراءها العديد من القضايا المُعلقة والتي تُنظر في القضاء اللبناني، الأمر الذي خلق الآن إشكالية هل زوجها ( عادل معتوق) زوجها فعلا ؟ وربما أميل إلى تصديق هذا الوضع نظرا للثقة التي يبدو عليها حرصه على وجوده على مسرح الإحداث، كطرف أصيل يحمل لقب المدعي بالحق المدني، والسبب الذي لا يقبل التأويل إنه حتما زوجها.
وهنا على هامش هذا المشهد يجب أن نسأل. هل ساقها القدر في طريق هشام طلعت؟ أم إنها قد دُفعت دفعا لأن تعترض طريقه ؟ في حقيقة الأمر سننحي مسألة القدر هذه جانبا، وخصوصا أن حرص الأب وأم القتيلة كان يتجه للتأكيد على إنها مُطلقة؛ بطول فترة إقامتهم في القاهرة؛ نظرا لتطور العلاقة التي نشأت بين القتيلة ورجل الأعمال، فبعد مسألة التأمين الشخصي والمالي لها، تطور الأمر لرغبة حادة في الارتباط بها، وفي حسابات المصالح لا غضاضة مطلقا في نفي هذا الزواج، لأن الثمار التي سيتم حصادها أكبر من تلك الضوابط الشرعية التي تحرم الجمع بين زوجين، ناهيك عن الإمكانيات الشخصية للزوج الذي يغري بقبول أي انتهاكات في سبيل النتائج المرجوة من هذا الزواج.
هنا تستطيع مسك الخيط الأول من هذه المؤامرة، أن يطلبها الرجل للزواج ، وتوافق هي، وتعترض أسرته ، ويتوقف المشروع لكن يظل الدعم متواصلا ، أجواء توحي بأنه قد استقر في يقينه فعلا إنها مُطلقة، ورجل بحجمه واتصالاته كان يستطيع بسهولة أن يتأكد من ذلك، فالراجح إنه كان يمتلك ما يؤكد إنها منفصلة عن زوجها، فلماذا الإصرار الآن تحديدا على التأكيد على تواجد عادل معتوق كزوج شرعي يمتلك الوثائق الدالة على صحة زواجه، ووجود زوج آخر ربما بعقد عرفي يجلسان على الجانب الآخر من النهر؟؟ والأب والأم ينفيان، حتى هذه اللحظة ؛ وحتى بعد أن ماتت أبنتهما، هناك أجواء تريد أن تخلق مزاج الخديعة التي عاش فيها هذا الرجل للتأكيد على رغبته في الانتقام كرد فعل طبيعي جدا يؤدي به للسعي في قتلها .. CUT ثم تحدث نقلة درامية أخرى، هروب المطربة من مصر، وفي هذا المنعطف تكمن قمة أسرار هذه القضية، التي أدت إلى تلك النهاية التي انتهت إليها المسرحية، الأم والأب يثيران حفيظة الرجل المُحب لأن يبحث عن أبنتهما، لأن زوجها ( السابق) من المحتمل أن يؤذيها، يتحرك- ربما- بنخوة رجل شرقي ، ويرسل من يتتبع هذه الفتاة المارقة المتمردة، CUT .. محسن السكري يدخل إلى خشبة المسرح؛ ليقوم بهذه المهمة الشاقة والمُكلفة نسبيا، ولكن لا غضاضة إذا كانت لحساب رجل بحجم هشام طلعت.
والآن أسألك..
- هل تعتقد أن هشام طلعت كان مُصرا على قتلها؟ وهل ضابط أمن الدولة السابق كان حريصا على التنفيذ؟
- ولماذا لا يفكر في قتلها؟
- للأسباب التي قلتها لك عن وضعه وطموحه.
- ماذا تريد أن تقوله لي ؟
- إن وضع هشام طلعت كرجل رأسمالي مُهم، قد جعل من الضابط (المتهم) هو الآخر يمارس معه حالة من حالات الابتزاز؛ هذا إذا كان هشام يريد قتلها فعلا، وهذا لم يكن يريده هشام على زعمي، وهذا الضابط لم يكن يريد قتلها، ولم يفكر فيه أصلا، ولكنه قدم خدمة كبيرة دون أن يدري أو كان يدري ربما، لطرف آخر يريد استثمار الظروف للتنكيل بسوزان؛ و بهشام نفسه ومن خلال خلق حالة ضاغطة تصور لجهة التحقيق أن هذا الرجل لا ينام من أجل أن ينتقم منها.
- لا أفهمك يا شيطان .
- الضابط السابق ينفي أصلا إنها قتلها، وإن كان يعترف بأنه قد حرضه ، ثم عاد ليؤكد إنه كان بالضرورة يراقب تحركاتها بناء على طلبه، الأمر الذي يمكن أن يؤخذ على محمل متابعتها بقصد حمايتها من الزوج المتربص بها، أو على أقل تقدير لكي يرتاح لقرار عدم الارتباط بها، وعلى اعتبار إنها غير جديرة به.
- هل تعتقد أن هشام طلعت مثالي لهذه الدرجة؟
- حتى لو فرضنا إنه ليس مثاليا، فلا أقل من أن يخاف على وضعه وسمعته .
- استمر
- تعلم بالضرورة أن جهاز المباحث الجنائية في سكوتلانديارد يستطيع الصبر لأن يطارد قاتلا لعشرين عاما أو يزيد، وينتظر كل ما يمكن أن يُضاف لكي يستكمل بحثه ، وهنا أسأل لماذا لم يستطع قتلها في لندن؟ والإجابة الحاسمة إنه- محسن السكري- لهذه اللحظة لا يريد قتلها أصلا، حتى مع التسليم بثبوت نية هشام في القتل بغرض الانتقام،إذن فعلينا أما أن نسلم بأنه فعلا كان يراقب ويرصد تحركاتها، وهذا الأوقع ربما؛ أو إنه كان يتلاعب بالرجل أصلا إذا كان القتل هو الهدف، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القاتل المأجور ليس بحاجة مُلحة للمال، ويعرف بالضرورة أن الأراضي الإنجليزية لن تسمح بمرور هذا الحادث مرور الكرام، حتى لو فُرِض إنه كان جادا في قتلها، فهل لي أن أسأل .. من كان يتولى تأمين سوزان في لندن، وقف أمام هذه الرغبة؟
لعلك ستسأل عن من أوعز للقتيلة إنها مهددة من قبل(هشام) ؟ سأقول : مؤكد من كان معها في لندن وقتها، الزوج الآخر الذي ظهر في مسرح الأحداث، ولو سألتني لِما؟ لقلت : لأنه يعرف بالضرورة أن هناك من يريد قتلها، لا لأن يقتلها بقدر ما يريد تحطيم (هشام) نفسه، وهنا تم التلاعب بالقتيلة لأن تندمج في هذا الظن، وخصوصا أن تفكيرها من السهل أن يصور لها إنه بالضرورة يريد قتلها، ناهيك عن زوج ينتظر الفرصة في لبنان لأن ينتقم منها أو يستردها، وهذا ما ترفضه هي بضراوة .
تعالى نجرب سيناريو قد يكون مستبعدا إلى حين، ونقول أن الزوج الذي كان معها في لندن كان يريد قتلها ولكنه تراجع، ترى ما الأسباب؟
الأول: لأنه مواطن يحمل الجنسية البريطانية كما قيل؛ ويخشى من ملاحقة البوليس الإنجليزي له .
الثاني: ربما لأنه شعر أنه مُراقب من قبل جهة ما، أو من رجال هشام نفسه ؛ فتوقف عن تنفيذ الفكرة.
والأرجح إنه شعر بهذا؛ فأوعز للقتيلة بهذا الزعم بأن رجال هشام طلعت في لندن بقصد تصفيتها، ومن ثم رحلت إلى { دبي}. ربما الآن تريد أن تسألني عن (محسن السكري) ، هذا الشخص سأقوم بوضعه تحت عملية حسابية تنطلق من معطيات الأحداث . بنسبة 50% ضحية ، وبنسبة 50% قاتل .
كيف يكون ضحية ؟ سأقول لك: هذا الرجل كان حتما يتحرك في هذه الأسفار بقصد مراقبة المطربة، ورصد تنقلاتها وحركتها، ولم يتفق معه هشام طلعت لا تصريحا ولا تلميحا لكي يقتل المطربة، والشبح الذي يريد تدمير هشام طلعت كان يدرك ذلك من جهات مختلفة، ووجود الضابط السابق في فعل المراقبة والرصد سهّل المهمة لأن تعرف المطربة أن سعي هشام ورائها هدفه تصفيتها، وتم الترويج لذلك بنجاح، ولعل شهادة أم القتيلة وأبيها قد تكون شهادة نافية تؤيد أن سعي هشام لرصدها والاطمئنان على خط سيرها كان بإيعاز منهما، ومن هنا انتقلت دائرة الصراع خارج لندن في إمارة( دبي) الهادئة .
أعلم إنك تقول الآن أن هذا التفكير صوري مُجرد؛ ربما لا يؤيده الواقع والحوادث التي جاءت فيما بعد، تعالى نحلل اعترافات المتهم بالقتل نفسها، حيث بات هشام بناء على اعترافاته محرضا على القتل، وبنيَّة الانتقام؛ وهذه النية ذاتها تأرجحت فيما بين القتل إلى الإيذاء عن طريق {برواز} أنيق ممتلئ بالمخدرات. ثم عاد لينفي تورطه في القتل، وإنه بالضرورة أعطاها البرواز ولم يُعثر على أي مخدرات بتفتيش الشقة تفتيشا كاملا، وهذا سيؤدي إلى أحد أمرين: إما إنه لم يضع مخدرات من الأصل، وهذا الاحتمال وارد، أو أن هناك يد خفية ربما لم تتعامل مع المخدرات كأحد أحراز القضية كي تكون التهمة محيطة بالضابط . هنا قال محمود :
- شوكت ! الاحتمال الثاني صعب جدا .
- صعب فعلا ، لكن ليس صعبا لو لديك الدليل الحاسم أن سوزان كانت بمفردها في الشقة .
- ماذا تريد أن تقول؟
- أن محسن السكري قد سلّم البرواز فعلا، لكنه بمجرد تسليمه للبرواز، ونزوله من البرج السكني الذي تسكنه القتيلة، تمكن من معها من القضاء عليها وبسرعة، وربما قام بالتتميم على البرواز ربما لدواعي أمنية تخصه، أو على أقل تقدير كان يعرف بالضرورة أن هناك ثمّة مؤامرة تحاك ضد القتيلة، فبقاء المخدرات لحين وصول فريق البحث قد تكون دليلا حاسما على تغيير نيّة القتل لدى ( السكري) ومن ثم براءته من تهمة القتل العمد، وربما تسألني هل موضوع البرواز هذا يعرف به أحد غير (السكري) وهشام؛ إذا فُرض أنهما كانا يخططان لذلك؟ سأقول لك: بالفعل قد تبدو الفكرة مستبعدة، فالفكرة الخاصة بالبرواز لا يعرفها إلا أصحاب المؤامرة مثلا، وغير مطروقة ربما، أو إنه قدم البرواز بلا مخدرات، ولعل المتهم حاول الحديث عنها أمام جهة التحقيق لينفي عن نفسه تهمة القتل، أو للتضليل لينفي عن نفسه هذه التهمة على الدرجة نفسها من الأساس .
تدري يا محمود ؟ لماذا يستقر في يقيني الآن أن محسن السكري لم يقتل المطربة؟ لأن مسألة القتل بكل بساطة مرتبطة عندي بمسمى الإحساس بالقتل، هو بالضرورة لو كان جادا في قتلها لقتلها في لندن، ومهما كانت المحاذير، واعترافه الغريب بأن عملية القتل تم تعديلها بدس المخدرات لها، هي حالة صدق نادرة منه لكونه يرفض القتل عموما، ربما لا يسعى لتبرئة ساحته من تهمة القتل بقدر ما هي محاولة للنيل من هشام طلعت بأي شكل، وهذا ما يؤيد مسألة قد تبدو واضحة إلى حد كبير أن الضابط نفسه ربما كان يسعى للنيل من الرجل لحساب الآخر الذي لا نعرفه للآن، وربما هو لم يفعل ذلك كله، وما هو إلا ضحية، تم استغلال سعيه خلفها، وخلق حالة موازية تتحين الفرصة لأن تقتل المطربة وتلصق الجريمة كلها بهشام والرجل المحسوب عليه. هذا بالإضافة لمسألة النحر ذاتها، فالسكري ليس ملزما أن يقتل سوزان بمثل هذه البشاعة، يكفي أن يقتلها فقط، فإن استقر في ضمير هشام – فرضا- معنى الانتقام فليس هذا حتميا أن يجعل من السكري يقتل بمثل هذه الطريقة البشعة فعلا وفي صورة إخلاص تام لإرضاء رغبة الانتقام عند مولاه، لذا فإن هناك قاتل آخر يعلم بالضرورة أن قتلها بطريقة معينة قد يخلق لجهة التحقيق حالة من شأنها أن تجعل من القتل وطريقته تعبير جد واضح عن الانتقام، وهذه بالضرورة مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، إذن فمن الجائز أن السكري نفسه كان مُراقبا، منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها لدبي، وتحركاته بالكامل كان مُسيطرا عليها تماما، وإن صح أن الملابس التى كانت بالــ fire boxليست ملابسه، حيث ثبت أنها ليست من مقاس مناسب لجسمه، هذا بالإضافة إلى عدم وضوح الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة بالبرج السكني الذي كانت تسكنه القتيلة، فبالضرورة هذا من شأنه أن يخلق قاتل آخر، وربما مُحرض جديد ليس بالضرورة أن يكون هشام طلعت .
وهنا ستعرف أن السكري؛ ربما كان تحت المراقبة المكثفة، ومن أجل خلق حالة من حالات التوازى مع فترة تواجده في مسرح الجريمة، وإنه قد دخل البرج فعلا، ووضع logo الشركة المالكة للأبراج السكنية على رسالة تخبر القتيلة إنها فازت في سحب تم إجراءه ، وأعطاها البرواز المحشو بالمخدرات فعلا، وألا ما كان كلف نفسه عناء هذا التزوير المتعمد، وبمجرد أن انتهى من هذا خرج ، ليترك الساحة شبه خالية للقاتل الحقيقي الذي نفذ جريمته في هدوء وعلى أحسن ما يكون، وامتلك الوقت لقتلها ونحرها بهذه الصورة للتأكيد على نوازع الانتقام وللتأكيد على ربط القتل بما حدث في كواليس العلاقة بين هشام طلعت والمطربة، ومن باب الفضول وحب الاستطلاع رأى البرواز وبحث فيه ووجد به مخدرات فعلا ؛عمل على أن يتخلص منها، لأن بقاء هذه المخدرات دليل إدانة في حق السكري بتلفيق قضية لها، ولكنه ينفي بالضرورة رغبته قي القتل، وبذكاء وبرود أعصاب يُحسد عليه القاتل الأصلي لم يسع للتخلص من البرواز، ولكنه خرج، ونزل ملقيا ملابس تقترب من نفس ذات الملابس التي اشتراها محسن السكرى ملوثة بدم القتيلة، ووضعها في صندوق الحريق حتى لا يكلف أجهزة الشرطة عناء البحث عن مقتنيات القاتل، وعلى صعيد محسن السكري شعر ربما بأنه قد أنهى مهمته بنجاح ومن هنا غادر { دبي} هادئ البال، لأنه أنهى المهمة بدون التورط في جريمة قتل.
هنا صرخ محمود في وجهي.. حيلك . حيلك
- تبدو لي هنا ثقة غريبة في حديثك يا رجل
- ولماذا لا أثق والقاتل قد قال طواعية بأنه القاتل
- كيف هذا ؟
- لقد قال ابن خالتها أن القتيلة لا تفتح باب شقتها أبدا إلا إذا سمعت رنين جرس الباب بإيقاع معين، وهذا الإيقاع لا يعرفه إلا الخاصة القريبة منها، فكيف تسنى لمحسن السكري أن يعرفه كي يغريها بفتحه ؟
- ربما كان محسن السكري يعرف إيقاع الجرس.
- لا أتفق معك في هذا، ومحسن السكري على الثابت لديها محسوب على هشام نفسه .
- ماذا تريد أن تقول ؟
- أن القتيلة لم تكن وحدها، بل كانت مع القاتل، وربما هذا ما جعلها تبدو مطمئنة نوعا ففتحت الباب.
- إذن من قتلها ؟
- من أبلغ عن الحادث، أكثر شخص تطمئن له القتيلة . ابن خالتها
- ومن قام بتحريضه ؟
- ربما زوجها الذي استفاد من جو الرعب الذي تعيش فيه أسرة القتيلة والتي دفعت من وراء خوفها على أبنتها بهشام لأن يراقب سوزان تميم حتى لا يؤذيها زوجها .
- إنك تقول ربما.
- نعم، لأن لو كان محسن السكري حريصا على إيذاء الفتاة لحساب هشام طلعت فعلا، ما تراجع مطلقا عن فكرة القتل ومن ثم تعديلها بالإيذاء .
- إذن محسن السكري كان يتلاعب بهشام أو على الأقل كان يعمل ضده .
- مؤكد
- ولكنه ينفي أن يكون من قتلها .
- إذن هناك من هو أشد حرصا على إيذاء هشام طلعت ونفذ هو وقتلها استنادا لمعطيات العلاقة بين المطربة وهشام .
- من هو ؟؟
- زوجها ، يمتلك من المال ما يساعده ربما على السير خلف هذه الرغبة استنادا على المعطيات التي قلتها لك .
- تقتلني (ربما) هذه ، وإن لم يكن هو ؟؟
أطرقت طويلا وشردت بالفعل عندما سألني { محمود} هذا السؤال, وقلت : تسألني عن المُحرض أو الشبح( مخرج العرض) برمته؛ الذي يجلس خلف هذه الجريمة ؟ فقال : نعم
قلت باسما : من الأفضل لك أن تتابع { روتانا} لأنك فعلا لن تستطيع أن تغمض عينيك !!!!!
لا شك أن من يطالع هذه المدونة يعلم بالضرورة إنني لا أتوقف عن ممارسة الجنون أحيانا، بل ويشاركني فيه بعض من أصدقائي المجانين أيضا، وربما حضرتني روح هتشكوك هذه، وأنا بصدد وضع تقييم مباحثي لمسألة ( سوزان/ هشام) تحت طائلة البحث الجنائي الذي يهدف إلى الوصول إلي قاتل هذه الفتاة التي تستحق الآن تحديدا لقب مسكينة، قتلها الجمال ربما، وربما الطموح المتهور إلى درجة قد تبدو متطرفة.
هي ليست (مارلين مونرو) هذا العصر ولا شك، رغم وجود بعض الظلال السياسية التي تلقي بظلالها على الموضوع في الكثير من جوانبه، حيث أن المتهم بالتحريض على القتل حسبما أتفق؛ عضو بالحزب الوطني الحاكم بمصر، وعضو بارز فيه على الراجح، وواحد من النماذج المعكوسة لكل ما هو معروف في مجال الممارسة السياسية ؛ حيث أن المال ربما يسعى للاقتران بالسياسة ومن أجل تنفيذ أجندة سياسية معروفة ومحددة{ بيرلسكوني مثلا} ، لكن السياسة – فقط في مصر- قد تصنع المال في نطاق حالة عارمة من سيولة الأوضاع بوجه عام .
مطربة لبنانية نصف مشهورة أو مشهورة ربما، ترتبط بعلاقة أيا كان نوعها، ورجل أعمال مصري ربما يصطف أسمه في قائمة أصحاب المليارات، جميلة مؤكد، وفيها الكثير من عناصر الأنوثة والإغراء، وهو بعيدا عن هذه التفاصيل يملك المال كوسيلة حاسمة ومؤثرة من وسائل الإغراء، كلٌ على طريقته. علاقة هي بطبيعتها لا تحمل شذوذا عن القاعدة المعروفة التي تؤيدها شواهد التاريخ، ماريا كلاس/ أوناسيس، جاكلين / أوناسيس؛ مارلين مونرو/ جون – روبرت كينيدي، إيفا/ خوان بيرون. والكثير جدا من هذه النماذج .
في حقيقة الأمر إنني سمعت بهذه القضية من خلال العديد ممن يدخلون لحياتي يوميا، وكانوا يعتقدون إنني أتتبع تفاصيلها بشغف، وهذا لم يكن حقيقيا كليا، فقط كنت انظر للقصة برمتها على إنها حتما تعبير واضح عن السفه الرأسمالي، وتعبير مهم عن شهوة المال حين يجتمع مع مفردات السلطة؛ وكنت للصدق أشعر بشيء من الشفقة على ( هشام طلعت) لمجرد إنه كيان مالي مُهدد، وإمبراطورية اقتصادية تحت الخطر، ومن منطلق تحليل نفساني في الأساس كنت أشعر إنه ربما يعاني من شيء ما، ربما انخرط في مملكة أبيه الاقتصادية بشكل مبالغ فيه، وربما لم يجرب الحياة العاطفية بشكل قد يبدو متوازنا، تزوج ربما بشكل تقليدي، وحين ألتقي بهذه الفنانة أحبها بعنف، وهنا انهار كليا.
كانت هذه مجمل الانطباعات التي تجمّعت لديَّ وأنا أتابع هذه القصة التي لم أكن أنتبه لها إلا من خلال بعض الأحاديث الجانبية سواء من ( مراد) أو (الصفتي) المقيمين معي بشكل شبه دائم، حتى التقيت بصديقي المشاكس { محمود عوض} والذي تحدث معي طيلة ساعتين وربما ثلاثة عن هذه القصة؛ ومن جميع تفاصيلها الظاهرة والمخفية، وعلمت منه أن المطربة للآن غير معلوم من هو زوجها، وأن هناك ثمة علاقات كثيرة تتشابك من رجال كانوا حولها، منهم من يمتلك مستندات يثبت بها إنه زوجها، وقضايا مُعلقة وأشياء من هذا القبيل، وأن (هشام طلعت) متهم بالتحريض على قتلها كإجراء انتقامي منها لأنه أحبها؛ وكان مستعدا للزواج منها، لكن أسرته رفضت ؛ تفاصيل كثيرة عن صراعات بين الكبار الذين يمتلكون كيانات اقتصادية عملاقة تريد تدمير مستقبل الرجل سياسيا واقتصاديا، وأن القاتل المتهم بتنفيذ الجريمة ضابط سابق بجهاز أمن الدولة، ولقد اعترف بتحريض رجل الأعمال له وإنه ابتزه كثيرا على سبيل أن ينفذ جريمته.
أعترف في هذا السياق أن صديقي كان مستغلا كبيرا لصمتي ، وراح يحدثني عن العديد من التفاصيل الكثيرة جدا، والمتشابكة، وحسب ما أنا أعرفه عنه من قدرة غير مسبوقة على السرد الجيّد لأي مشكلة يتعرض لها ؛ بشكل يدعو للإعجاب في حقيقة الأمر، كنت أستمع له بشكل لم يكن ليغريني أن أطلب منه أن يتوقف، على اعتبار إنه لا شأن لي بمثل هذه المسائل المقززة نوعا، لكن للحقيقة؛ روعة السرد كانت كفيلة بأن أسمع القصة منه للنهاية، وأنا أشعر ببعض المتعة بلا شك . لكن فوجئت به يسألني بعد أن انتهى من حديثه، تعتقد من هو قاتل سوزان تميم؟!
فقلت: أخي محمود !! غدا بإذن الله سأعطيك ما وصلت له من نتائج قد تكون قريبة من تصور ما، قفز لذهني الآن، وأعدك نتناول غدا الغداء، وبعدها نتحدث عن كل ما يشغلك، وظن في البداية إنني أتملص من الإجابة أو إبداء وجهة نظري، لكن وعدته؛ في مساء هذا اليوم سأفكر بجدية في الأمر، وبعد الغداء – غدا- سأقول له مجمل ما وصلت إليه. والغريب أنه جاء في الغد؛ رغم ما قاله أمس عن مشاغله الكثيرة، وبسخريته المعهودة طلب منّي أن أركز في كل كلمة سأقولها، وعلى اعتبار أن وجهة نظري كرجل بعيد عن دائرة الأحداث من الممكن أن تكون أكثر واقعية ممن هم داخل القضية، أكلنا وشربنا، واعترف أن {محمود} من الناس الذين لا تنقصهم الرذالة، فأصر أن يسمع منّي، ومن طريقة جلسته، وحركات يديه؛ ضحكت بعنف، واستأذنته في سيجارة أدخنها، رغم امتناعي عن التدخين في الفترة الأخيرة، كنت أجلس ملقيا ظهري إلى الخلف كعادة السنوات الأخيرة، ووجدتني أطلب بعضا من القهوة، والتزمت ببعض الجدية وأنا أتحدث إليه، لأني وجدت بالفعل إنه جاد إلى درجة كبيرة في أن يسمع رأيي، والذي لم يكن من جملته أن أجيبه عن سؤاله الرئيسي .. من قاتل الفتاة؟ فهذا بلا شك مهمة البحث الجنائي وأجهزة الشرطة، وفي الحقيقة اندهشت . كيف نجح صديقي في توريطي في التفكير في هذه المسألة ؟
اعتصرت جبهتي من أطرافها، وهي عادة قديمة غالبا إذا كنت بصدد التفكير في معضلة تواجهني وتذكرت التفاصيل التي حكى لي عنها. وهو بدوره طلب بعضا من القهوة وجلس في وقار لم اعتاد عليه منه وانتظر حديثي؛ وكان صبورا جدا في سماعي؛ نظرا لبعض التعتعة التي تنتابني أحيانا كثيرة، وبدأت أتحدث ؛ فقلت: أخي محمود !!
إذا قمنا بتحليل آليات هذه العلاقة الناشئة بين المطربة ورجل الأعمال على إنها نزوة عابرة، أو بالضرورة حب حقيقي، من جهته هو على الأقل، فليس انتهائها كفيلا بأن يدفعه لأن يرتكب جريمة قتل أصلا، وألا سيكون من السفاهة بمكان أن يغامر بمستقبله السياسي والاقتصادي معا، حتى لو تم ابتزازه ماليا على ضوء هذا الحب، فجملة ما خسره من مال، حتى وإن بدا كثيرا جدا، لا تساوي بأي حال من الأحوال مقدار ما سيخسره بمقتلها من مستقبل كان يبدو مشرقا ينتظره ولو في مجال { البزنس} على الأقل، بعيدا عن حظيرة العمل السياسي حتى. إذن أكاد أجزم أن هذا الرجل لم يقم بالتحريض أو التفكير في قتلها من الأساس، لهذه الأسباب مجتمعة فى المقام الثاني، ولأنه يحبها - إذا صح ما يُقال –في المقام الأول .
تعالى نفترض أن أجواء المنافسة هي التي خلقت مشكلة هذا الرجل- هشام- وساعدت في توريطه في هذه الجريمة بأي شكل من الأشكال، وهنا ستجد نفسك طوعا أو كرها تفكر في القضية من منطلق مؤامرة قد حيكت ضده، وهنا عليك أن تفكر فى أحد أمرين: المنافس، ومكان المنافسة.
فالمؤامرة فكرة تحتاج شخوصا تدير وتنفذ هذه المؤامرة، وبقعة محددة؛ أيا كانت : اعتبارية أو جغرافية، لكي تتم المؤامرة على شكلها الكامل، وهنا سأجد نفسي مضطرا للحديث عن مفهوم المؤامرة من منطلق مصري؛ لأقول لك بكل ثقة: إن الرغبة في إزاحة هشام طلعت نفسه من سوق تنافسي هو فيه لاعب أساسي يُخشى منه؛ أيسر بكثير من صناعة هذه القضية برمتها، مافيا التصفية الجسدية هي أقصى ما تعرفه العقلية التآمرية المصرية، فحياة المشير عامر لم تكن بأهوَّن من حياة هشام طلعت على النظام أو بطانته إذا كانت بالفعل تريد إزاحته. لذا أنا استبعد بالضرورة أن تكون إزاحته نابعة أصلا من كيانات اقتصادية تقبع في الداخل- مصر تحديدا- وواقعيا وقياسا على ما سمعت، لا توجد في مجال الاستثمارات العقارية من ينافس هذا الرجل، نظرا لضعف الكيانات القديمة التي كانت معروفة في السابق كنجوم في هذا المجال، وعدم ظهور من ينافسه في هذه المرحلة أصلا. ولا أعتقد أن إزاحته من منطلق سياسي مسألة ذات بال، فهو بالضرورة لا يشكل أي سمة تنافسية لرأس النظام الحالي، ولا على الدرجة نفسها نجله، إذا كانت مسألة التوريث مسألة قد باتت مُلحة إلى درجة يتم السعي لها بضراوة.
ربما تندهش إذا قلت لك الآن، والآن تحديدا: إن المجني عليه في هذه القضية هو هشام طلعت نفسه، وفي مؤامرة مكشوفة وساذجة إلى درجة كبيرة بالفعل، وإن عناصر هذه المؤامرة التي حيكت ضده ؛ هو بالضرورة واحد من عناصرها، وساعد عليها ؛ عندما لم يستطع أن يُفرق بين الطموح المتطرف لحبيبته، وبين عاطفة الحب ذاتها، وخصوصا أن البقعة الجغرافية التي قامت عليها هذه المؤامرة بقعة هلامية لا وجود لها، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعل منها في يقيني مؤامرة فاشلة يمكن فك طلاسمها بأيسر مما يتصوّر الكثيرون ممن يراقبون هذه القضية.
هذه الجريمة يتم تصنيفها في نظام عمل F.B.I جريمة تسلسلية، لم تكن أولا وأخيرا قتل المُغنية في شقتها بقصد الانتقام كما يُذاع، ومن هذا العاشق الذي أغدق عليها المال والمجوهرات والشقق الفاخرة وهي بالضرورة تخونه أو لا تحبه، فعندما وجدوها مذبوحة في شقتها ، كان ذلك بالفعل الفصل الثالث والأخير من مسرحية سبقها فصلان معروفان جيدا لبعض أبطال الرواية وليس جميعهم ربما، الغريب أن في منتصف العرض تدخل المخرج بشكل متعجرف كثيرا ليغير من شكل النهاية التي لم يكن أشد الناس تشاؤما يراهن عليها، خصوصا أن المخرج يمتلك القرار والمال والسُلطة .
أحبذ أن نسمي هذه المسرحية{ ضجيج الكهوف}، فعالم النجوم بوجه عام ، عالم مفعم بالخصوصية والأسرار المغلقة، والتي يصعب اقتحامها غالبا، ولكن دواخل هذا العالم قد تحتوي على حقائق صارخة وصادمة، أبطال هذا العرض هم حسب أهمية الأدوار ..
· سوزان تميم
· هشام طلعت
· والد سوزان
· والدة سوزان
· زوج القتيلة
· محسن السكرى
· شبح يدير اللعبة وغير معلوم إلا لمحسن السكري وزوجها في مرحلة لاحقة للعرض في صعوداته الدرامية المؤسفة؛ يعمل لحساب المنتقم الحقيقي( مخرج العرض) الذي لا يمكن أن نهتدي له نظرا للسياج الضخم المفروض عليه .
اعتدل محمود عوض في جلسته، وأخذ يحملق في وجهي بشكل مثير فعلا، هنا قلت : لا تندهش كثيرا يا صديقي، فالفصل الأول قد بدأ بإرادة منفردة من القتيلة التي نجحت في الوصول إلى توظيف وضعها ومواهبها للوصول إلى الأمان والمال والطموح في عملية كانت معلومة من البداية إنها ابتزاز ليس إلا، زوجة شريدة تمكنت من الهرب من زوجها، تاركة وراءها العديد من القضايا المُعلقة والتي تُنظر في القضاء اللبناني، الأمر الذي خلق الآن إشكالية هل زوجها ( عادل معتوق) زوجها فعلا ؟ وربما أميل إلى تصديق هذا الوضع نظرا للثقة التي يبدو عليها حرصه على وجوده على مسرح الإحداث، كطرف أصيل يحمل لقب المدعي بالحق المدني، والسبب الذي لا يقبل التأويل إنه حتما زوجها.
وهنا على هامش هذا المشهد يجب أن نسأل. هل ساقها القدر في طريق هشام طلعت؟ أم إنها قد دُفعت دفعا لأن تعترض طريقه ؟ في حقيقة الأمر سننحي مسألة القدر هذه جانبا، وخصوصا أن حرص الأب وأم القتيلة كان يتجه للتأكيد على إنها مُطلقة؛ بطول فترة إقامتهم في القاهرة؛ نظرا لتطور العلاقة التي نشأت بين القتيلة ورجل الأعمال، فبعد مسألة التأمين الشخصي والمالي لها، تطور الأمر لرغبة حادة في الارتباط بها، وفي حسابات المصالح لا غضاضة مطلقا في نفي هذا الزواج، لأن الثمار التي سيتم حصادها أكبر من تلك الضوابط الشرعية التي تحرم الجمع بين زوجين، ناهيك عن الإمكانيات الشخصية للزوج الذي يغري بقبول أي انتهاكات في سبيل النتائج المرجوة من هذا الزواج.
هنا تستطيع مسك الخيط الأول من هذه المؤامرة، أن يطلبها الرجل للزواج ، وتوافق هي، وتعترض أسرته ، ويتوقف المشروع لكن يظل الدعم متواصلا ، أجواء توحي بأنه قد استقر في يقينه فعلا إنها مُطلقة، ورجل بحجمه واتصالاته كان يستطيع بسهولة أن يتأكد من ذلك، فالراجح إنه كان يمتلك ما يؤكد إنها منفصلة عن زوجها، فلماذا الإصرار الآن تحديدا على التأكيد على تواجد عادل معتوق كزوج شرعي يمتلك الوثائق الدالة على صحة زواجه، ووجود زوج آخر ربما بعقد عرفي يجلسان على الجانب الآخر من النهر؟؟ والأب والأم ينفيان، حتى هذه اللحظة ؛ وحتى بعد أن ماتت أبنتهما، هناك أجواء تريد أن تخلق مزاج الخديعة التي عاش فيها هذا الرجل للتأكيد على رغبته في الانتقام كرد فعل طبيعي جدا يؤدي به للسعي في قتلها .. CUT ثم تحدث نقلة درامية أخرى، هروب المطربة من مصر، وفي هذا المنعطف تكمن قمة أسرار هذه القضية، التي أدت إلى تلك النهاية التي انتهت إليها المسرحية، الأم والأب يثيران حفيظة الرجل المُحب لأن يبحث عن أبنتهما، لأن زوجها ( السابق) من المحتمل أن يؤذيها، يتحرك- ربما- بنخوة رجل شرقي ، ويرسل من يتتبع هذه الفتاة المارقة المتمردة، CUT .. محسن السكري يدخل إلى خشبة المسرح؛ ليقوم بهذه المهمة الشاقة والمُكلفة نسبيا، ولكن لا غضاضة إذا كانت لحساب رجل بحجم هشام طلعت.
والآن أسألك..
- هل تعتقد أن هشام طلعت كان مُصرا على قتلها؟ وهل ضابط أمن الدولة السابق كان حريصا على التنفيذ؟
- ولماذا لا يفكر في قتلها؟
- للأسباب التي قلتها لك عن وضعه وطموحه.
- ماذا تريد أن تقوله لي ؟
- إن وضع هشام طلعت كرجل رأسمالي مُهم، قد جعل من الضابط (المتهم) هو الآخر يمارس معه حالة من حالات الابتزاز؛ هذا إذا كان هشام يريد قتلها فعلا، وهذا لم يكن يريده هشام على زعمي، وهذا الضابط لم يكن يريد قتلها، ولم يفكر فيه أصلا، ولكنه قدم خدمة كبيرة دون أن يدري أو كان يدري ربما، لطرف آخر يريد استثمار الظروف للتنكيل بسوزان؛ و بهشام نفسه ومن خلال خلق حالة ضاغطة تصور لجهة التحقيق أن هذا الرجل لا ينام من أجل أن ينتقم منها.
- لا أفهمك يا شيطان .
- الضابط السابق ينفي أصلا إنها قتلها، وإن كان يعترف بأنه قد حرضه ، ثم عاد ليؤكد إنه كان بالضرورة يراقب تحركاتها بناء على طلبه، الأمر الذي يمكن أن يؤخذ على محمل متابعتها بقصد حمايتها من الزوج المتربص بها، أو على أقل تقدير لكي يرتاح لقرار عدم الارتباط بها، وعلى اعتبار إنها غير جديرة به.
- هل تعتقد أن هشام طلعت مثالي لهذه الدرجة؟
- حتى لو فرضنا إنه ليس مثاليا، فلا أقل من أن يخاف على وضعه وسمعته .
- استمر
- تعلم بالضرورة أن جهاز المباحث الجنائية في سكوتلانديارد يستطيع الصبر لأن يطارد قاتلا لعشرين عاما أو يزيد، وينتظر كل ما يمكن أن يُضاف لكي يستكمل بحثه ، وهنا أسأل لماذا لم يستطع قتلها في لندن؟ والإجابة الحاسمة إنه- محسن السكري- لهذه اللحظة لا يريد قتلها أصلا، حتى مع التسليم بثبوت نية هشام في القتل بغرض الانتقام،إذن فعلينا أما أن نسلم بأنه فعلا كان يراقب ويرصد تحركاتها، وهذا الأوقع ربما؛ أو إنه كان يتلاعب بالرجل أصلا إذا كان القتل هو الهدف، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القاتل المأجور ليس بحاجة مُلحة للمال، ويعرف بالضرورة أن الأراضي الإنجليزية لن تسمح بمرور هذا الحادث مرور الكرام، حتى لو فُرِض إنه كان جادا في قتلها، فهل لي أن أسأل .. من كان يتولى تأمين سوزان في لندن، وقف أمام هذه الرغبة؟
لعلك ستسأل عن من أوعز للقتيلة إنها مهددة من قبل(هشام) ؟ سأقول : مؤكد من كان معها في لندن وقتها، الزوج الآخر الذي ظهر في مسرح الأحداث، ولو سألتني لِما؟ لقلت : لأنه يعرف بالضرورة أن هناك من يريد قتلها، لا لأن يقتلها بقدر ما يريد تحطيم (هشام) نفسه، وهنا تم التلاعب بالقتيلة لأن تندمج في هذا الظن، وخصوصا أن تفكيرها من السهل أن يصور لها إنه بالضرورة يريد قتلها، ناهيك عن زوج ينتظر الفرصة في لبنان لأن ينتقم منها أو يستردها، وهذا ما ترفضه هي بضراوة .
تعالى نجرب سيناريو قد يكون مستبعدا إلى حين، ونقول أن الزوج الذي كان معها في لندن كان يريد قتلها ولكنه تراجع، ترى ما الأسباب؟
الأول: لأنه مواطن يحمل الجنسية البريطانية كما قيل؛ ويخشى من ملاحقة البوليس الإنجليزي له .
الثاني: ربما لأنه شعر أنه مُراقب من قبل جهة ما، أو من رجال هشام نفسه ؛ فتوقف عن تنفيذ الفكرة.
والأرجح إنه شعر بهذا؛ فأوعز للقتيلة بهذا الزعم بأن رجال هشام طلعت في لندن بقصد تصفيتها، ومن ثم رحلت إلى { دبي}. ربما الآن تريد أن تسألني عن (محسن السكري) ، هذا الشخص سأقوم بوضعه تحت عملية حسابية تنطلق من معطيات الأحداث . بنسبة 50% ضحية ، وبنسبة 50% قاتل .
كيف يكون ضحية ؟ سأقول لك: هذا الرجل كان حتما يتحرك في هذه الأسفار بقصد مراقبة المطربة، ورصد تنقلاتها وحركتها، ولم يتفق معه هشام طلعت لا تصريحا ولا تلميحا لكي يقتل المطربة، والشبح الذي يريد تدمير هشام طلعت كان يدرك ذلك من جهات مختلفة، ووجود الضابط السابق في فعل المراقبة والرصد سهّل المهمة لأن تعرف المطربة أن سعي هشام ورائها هدفه تصفيتها، وتم الترويج لذلك بنجاح، ولعل شهادة أم القتيلة وأبيها قد تكون شهادة نافية تؤيد أن سعي هشام لرصدها والاطمئنان على خط سيرها كان بإيعاز منهما، ومن هنا انتقلت دائرة الصراع خارج لندن في إمارة( دبي) الهادئة .
أعلم إنك تقول الآن أن هذا التفكير صوري مُجرد؛ ربما لا يؤيده الواقع والحوادث التي جاءت فيما بعد، تعالى نحلل اعترافات المتهم بالقتل نفسها، حيث بات هشام بناء على اعترافاته محرضا على القتل، وبنيَّة الانتقام؛ وهذه النية ذاتها تأرجحت فيما بين القتل إلى الإيذاء عن طريق {برواز} أنيق ممتلئ بالمخدرات. ثم عاد لينفي تورطه في القتل، وإنه بالضرورة أعطاها البرواز ولم يُعثر على أي مخدرات بتفتيش الشقة تفتيشا كاملا، وهذا سيؤدي إلى أحد أمرين: إما إنه لم يضع مخدرات من الأصل، وهذا الاحتمال وارد، أو أن هناك يد خفية ربما لم تتعامل مع المخدرات كأحد أحراز القضية كي تكون التهمة محيطة بالضابط . هنا قال محمود :
- شوكت ! الاحتمال الثاني صعب جدا .
- صعب فعلا ، لكن ليس صعبا لو لديك الدليل الحاسم أن سوزان كانت بمفردها في الشقة .
- ماذا تريد أن تقول؟
- أن محسن السكري قد سلّم البرواز فعلا، لكنه بمجرد تسليمه للبرواز، ونزوله من البرج السكني الذي تسكنه القتيلة، تمكن من معها من القضاء عليها وبسرعة، وربما قام بالتتميم على البرواز ربما لدواعي أمنية تخصه، أو على أقل تقدير كان يعرف بالضرورة أن هناك ثمّة مؤامرة تحاك ضد القتيلة، فبقاء المخدرات لحين وصول فريق البحث قد تكون دليلا حاسما على تغيير نيّة القتل لدى ( السكري) ومن ثم براءته من تهمة القتل العمد، وربما تسألني هل موضوع البرواز هذا يعرف به أحد غير (السكري) وهشام؛ إذا فُرض أنهما كانا يخططان لذلك؟ سأقول لك: بالفعل قد تبدو الفكرة مستبعدة، فالفكرة الخاصة بالبرواز لا يعرفها إلا أصحاب المؤامرة مثلا، وغير مطروقة ربما، أو إنه قدم البرواز بلا مخدرات، ولعل المتهم حاول الحديث عنها أمام جهة التحقيق لينفي عن نفسه تهمة القتل، أو للتضليل لينفي عن نفسه هذه التهمة على الدرجة نفسها من الأساس .
تدري يا محمود ؟ لماذا يستقر في يقيني الآن أن محسن السكري لم يقتل المطربة؟ لأن مسألة القتل بكل بساطة مرتبطة عندي بمسمى الإحساس بالقتل، هو بالضرورة لو كان جادا في قتلها لقتلها في لندن، ومهما كانت المحاذير، واعترافه الغريب بأن عملية القتل تم تعديلها بدس المخدرات لها، هي حالة صدق نادرة منه لكونه يرفض القتل عموما، ربما لا يسعى لتبرئة ساحته من تهمة القتل بقدر ما هي محاولة للنيل من هشام طلعت بأي شكل، وهذا ما يؤيد مسألة قد تبدو واضحة إلى حد كبير أن الضابط نفسه ربما كان يسعى للنيل من الرجل لحساب الآخر الذي لا نعرفه للآن، وربما هو لم يفعل ذلك كله، وما هو إلا ضحية، تم استغلال سعيه خلفها، وخلق حالة موازية تتحين الفرصة لأن تقتل المطربة وتلصق الجريمة كلها بهشام والرجل المحسوب عليه. هذا بالإضافة لمسألة النحر ذاتها، فالسكري ليس ملزما أن يقتل سوزان بمثل هذه البشاعة، يكفي أن يقتلها فقط، فإن استقر في ضمير هشام – فرضا- معنى الانتقام فليس هذا حتميا أن يجعل من السكري يقتل بمثل هذه الطريقة البشعة فعلا وفي صورة إخلاص تام لإرضاء رغبة الانتقام عند مولاه، لذا فإن هناك قاتل آخر يعلم بالضرورة أن قتلها بطريقة معينة قد يخلق لجهة التحقيق حالة من شأنها أن تجعل من القتل وطريقته تعبير جد واضح عن الانتقام، وهذه بالضرورة مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، إذن فمن الجائز أن السكري نفسه كان مُراقبا، منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها لدبي، وتحركاته بالكامل كان مُسيطرا عليها تماما، وإن صح أن الملابس التى كانت بالــ fire boxليست ملابسه، حيث ثبت أنها ليست من مقاس مناسب لجسمه، هذا بالإضافة إلى عدم وضوح الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة بالبرج السكني الذي كانت تسكنه القتيلة، فبالضرورة هذا من شأنه أن يخلق قاتل آخر، وربما مُحرض جديد ليس بالضرورة أن يكون هشام طلعت .
وهنا ستعرف أن السكري؛ ربما كان تحت المراقبة المكثفة، ومن أجل خلق حالة من حالات التوازى مع فترة تواجده في مسرح الجريمة، وإنه قد دخل البرج فعلا، ووضع logo الشركة المالكة للأبراج السكنية على رسالة تخبر القتيلة إنها فازت في سحب تم إجراءه ، وأعطاها البرواز المحشو بالمخدرات فعلا، وألا ما كان كلف نفسه عناء هذا التزوير المتعمد، وبمجرد أن انتهى من هذا خرج ، ليترك الساحة شبه خالية للقاتل الحقيقي الذي نفذ جريمته في هدوء وعلى أحسن ما يكون، وامتلك الوقت لقتلها ونحرها بهذه الصورة للتأكيد على نوازع الانتقام وللتأكيد على ربط القتل بما حدث في كواليس العلاقة بين هشام طلعت والمطربة، ومن باب الفضول وحب الاستطلاع رأى البرواز وبحث فيه ووجد به مخدرات فعلا ؛عمل على أن يتخلص منها، لأن بقاء هذه المخدرات دليل إدانة في حق السكري بتلفيق قضية لها، ولكنه ينفي بالضرورة رغبته قي القتل، وبذكاء وبرود أعصاب يُحسد عليه القاتل الأصلي لم يسع للتخلص من البرواز، ولكنه خرج، ونزل ملقيا ملابس تقترب من نفس ذات الملابس التي اشتراها محسن السكرى ملوثة بدم القتيلة، ووضعها في صندوق الحريق حتى لا يكلف أجهزة الشرطة عناء البحث عن مقتنيات القاتل، وعلى صعيد محسن السكري شعر ربما بأنه قد أنهى مهمته بنجاح ومن هنا غادر { دبي} هادئ البال، لأنه أنهى المهمة بدون التورط في جريمة قتل.
هنا صرخ محمود في وجهي.. حيلك . حيلك
- تبدو لي هنا ثقة غريبة في حديثك يا رجل
- ولماذا لا أثق والقاتل قد قال طواعية بأنه القاتل
- كيف هذا ؟
- لقد قال ابن خالتها أن القتيلة لا تفتح باب شقتها أبدا إلا إذا سمعت رنين جرس الباب بإيقاع معين، وهذا الإيقاع لا يعرفه إلا الخاصة القريبة منها، فكيف تسنى لمحسن السكري أن يعرفه كي يغريها بفتحه ؟
- ربما كان محسن السكري يعرف إيقاع الجرس.
- لا أتفق معك في هذا، ومحسن السكري على الثابت لديها محسوب على هشام نفسه .
- ماذا تريد أن تقول ؟
- أن القتيلة لم تكن وحدها، بل كانت مع القاتل، وربما هذا ما جعلها تبدو مطمئنة نوعا ففتحت الباب.
- إذن من قتلها ؟
- من أبلغ عن الحادث، أكثر شخص تطمئن له القتيلة . ابن خالتها
- ومن قام بتحريضه ؟
- ربما زوجها الذي استفاد من جو الرعب الذي تعيش فيه أسرة القتيلة والتي دفعت من وراء خوفها على أبنتها بهشام لأن يراقب سوزان تميم حتى لا يؤذيها زوجها .
- إنك تقول ربما.
- نعم، لأن لو كان محسن السكري حريصا على إيذاء الفتاة لحساب هشام طلعت فعلا، ما تراجع مطلقا عن فكرة القتل ومن ثم تعديلها بالإيذاء .
- إذن محسن السكري كان يتلاعب بهشام أو على الأقل كان يعمل ضده .
- مؤكد
- ولكنه ينفي أن يكون من قتلها .
- إذن هناك من هو أشد حرصا على إيذاء هشام طلعت ونفذ هو وقتلها استنادا لمعطيات العلاقة بين المطربة وهشام .
- من هو ؟؟
- زوجها ، يمتلك من المال ما يساعده ربما على السير خلف هذه الرغبة استنادا على المعطيات التي قلتها لك .
- تقتلني (ربما) هذه ، وإن لم يكن هو ؟؟
أطرقت طويلا وشردت بالفعل عندما سألني { محمود} هذا السؤال, وقلت : تسألني عن المُحرض أو الشبح( مخرج العرض) برمته؛ الذي يجلس خلف هذه الجريمة ؟ فقال : نعم
قلت باسما : من الأفضل لك أن تتابع { روتانا} لأنك فعلا لن تستطيع أن تغمض عينيك !!!!!