الجمعة، 16 مارس 2018

التجارة بيناير !!

لا أحب أحكام القيمة أو الأحكام المطلقة بوجه عام. ولاسيما أن فلاسفة الجمال قد اختلفوا في وضع أطر ثابتة لغايات الإبداع. وهنا أعني المذهبين الرئيسيين: الفن للفن، أو ذلك الفن ذو النزعة الإرسالية والأهداف العليا.

في حقيقة الأمر لا أدري سببا واضحا لهذا الشعور. فلم أجدني للحظة متعاطفا مع ما يقدمه "حمزة نمرة".. وليس طعنا في أدواته الفنية، وإنما فيما يطرحه من غناء أحسبه مؤدلجا؛ دون توريطه في منحى الفن ذي الأهداف العليا، بل يجوز أن نصف الأمر إذا جاز الوصف بـ (الأغنية النظيفة). فالرجل واضح من البداية إنه ضد القاموس المألوف للأغنية العاطفية والتي لا يقدمها أصلا كي لا يتورط في الخدود والعيون وغيرها من مفردات. ولا يمكن هاهنا أن نصفه بتقديم الأغنية التي تنتصر للإنسان. فلا أزعم أن الإنسانية غاية بعيدة عن الفن(أي فن).

من جملة الأسئلة الإشكالية هنا .. هل الأغنية العاطفية تتقاطع مع المفهوم الأخلاقي الذي تتبناه رؤية الفنان؟؟ أو لنكن أكثر تحديدا: هل هناك ثمة مخالفة تتبدى في معالجة عاطفة الحب فنيا؟ 
لا غضاضة عندي. وإن كنت سأترك الإجابة لضمائر من يقرأ هذا الحديث، أو من يحاول تفسير بكاء هذه السيدة البدينة وأم كلثوم تقول: يا قلبي آه في رائعتها"هو صحيح الهوى غلاب".

أعترف إنني أُدفع لسماع "حمزة نمرة" وغالبا كي أبدي رأيي المتواضع في كلمات أغانيه. هنالك أدرك أن الرجل قد سبق بالنغم مولد الكلمة. فلا أدري حقيقة نسق الأغنية وشروطها الفنية الخاصة ببنائها وهي تُغني من خلاله. الغريب أن هذا السمت منتشر في جل أعماله إن لم تكن كلها. وخطورة هذا التعاطي إنه يصادر على قرائح المؤلف؛ الذي توضع له القيود اللحنية والتي تتطلب كلاما يتسق معها. بل قد أزيد هنا وأقول: إن الرجل يريد من المؤلف أن يفكر بنفس طريقته، أو على الأقل يشاركه تصور الأغنية وأهدافها في تطابق قد لا تؤيده الوقائع. بل إن الانسياق الجارف وراء هذه التقنية قد يشوه حقيقة الشعر الغنائي نفسه، ويؤسس غالبا معنى يأتي بدوره ضد طبائع الأمور.. فالمطرب يبحث عن الكلام، ومن ثم يصوغ اللحن الذي يستطيع أن يعبر عن الكلام وأهدافه.

من زاوية أخرى فإن ثبات الدوافع الكامنة خلف وظيفة الأغنية عند الرجل قد يؤدي إلى عدم إحساسنا بالاختلاف والتنوع. أو على الأقل السقوط العفوي في اجترار نغمي، ينعكس بدوره على اجترار موضوع الأغنية نفسها. طالما أن مركزية الموضوع هو الإنسان واليومي المعاش في إطار أحسبه قد أنزلق في آتون النمطية ولو قليلا.  دون أن يٌفهم هنا دعوتي لأن يترك غيره يلحن له. بل أزعم أن الشعر الخام المنفلت من أي ضوابط هو الضمانة على اختلاف الرؤية النغمية التي تؤدي لخروج لحن مختلف عن غيره، ودون الركون لمركزية الرؤية التي تبلور اللحن كي تجعله أقرب لغيره من ألحان. لم تكن لتستوعب اختلافا حادا في كلمات الأغنيات اختلافا يجوز رصده.

هل أكون في جانب الصواب إذا قلت إن من يسمعون"حمزة نمرة" نوستالجيون" عتاة؟
بطبيعة الحال إن الحنين لأيام يناير لا يدفعنا للاستماع لمن أصطلح على تسميتهم مطربي الثورة. فأبعد من "ياسر المناوهلي" لا يوجد مطرب للثورة. بل لو كان علينا ضبط العلاقة بين الفن ويناير، لقلنا: إن الفن أنتج خطابا بطعم الريبورتاج لتغطية وتوثيق حدث مبهر ومحرض ولم يكن متوقعا. بل إن مطربي الثورة (مجازا) أولى بهم أن يتجاوزوا الانسياق وراء هذا المفهوم الذي جمَّد معظمهم تقريبا{تيمات/أفكار}. بل وأزعم أن هذا المزاج من الحنين الذي يجعلنا نسمع هؤلاء ليس في مصلحة مفهوم الثورة إذ يحولها للحظة تاريخية قد انقطعت صلتنا بها، ولاسيما أن ما يغنى الآن لم يعد ينتج التحريض أو التثوير.  

أقسم لستُ ضد ما يطرحه الرجل وإن كنت لا أعفيه من تهمة الاستبداد الذي يحتاج لثورة غالبا قد تأتي منه عليه.



ماذا فعل الله ببلال فضل؟

  في المبتدأ لن أميل لكون ما سأكتبه نقدا أو مراجعة، أو حتى رأي انطباعي، رغم الاعتراف بوجود الغواية الكافية؛ كي أتصدى لقراءة الرجل وأنا مُحمل...