الثلاثاء، 12 أبريل 2016

وقت أحمد عايد.. 2/1

إذا كان الوقت هو المسافة المقطوعة بين لحظتين أو هو ما نسميه الوقت الفيزيقي. فلِم كان الوقت وقت أحمد عايد؟

في حقيقة الأمر لكل عنوان غواية، قد تفتح المتن الشعري المنضو تحت لوائه، أو إنه قيمة مختزلة لعناصر التجربة المخطوطة بين دفتي ديوان. أو على الأغلب محاولة مخلصة للتحريض. وأزعم أن كل هذه الأهداف بدت متحققة فعلا. لكن في علة الاختيار المسند لاسم صاحب المتن الشعري لا ندري إلى أي جهة نسير؟

نستطيع أن نستلهم خصوصية هذا الوقت بانفتاح إشاراته وربطها بالذات الشاعرة التي أنتجت نصوصها على هذا النحو. أو يا ربما علاقة هذه الذات بالظرفية التي تحتوي حركتها في تفاصيل ذلك الوقت. ولاسيما أن الوقت المعني بهذه الفاعلية لا يغرينا باعتبار أن الزمن والوقت في دلالتهما اللغوية والإشارية مترادفان. بل إن علاقة الوقت بالزمن قد تساوي عندي علاقة هذا وذاك. الأولى للقريب، والثانية للبعيد. وكأن ظرفية الوقت أكثر التصاقا بصاحبها. بينما الزمن تظل ظرفيته أشمل؛ حتى لتتجاوز الذات إلى ذوات أخرى ومضامين أكثر اتساعا.

إن ارتباط الوقت بأحمد عايد صاحب الحالة برمتها قد يؤسس لملامح تتسق دلاليا مع إشارات نفسية تعيد الاعتبار للذات، لا للانتصار لخصوصية هذا الوقت بالإشارة الصريحة للاسم. بل للانتصار للذات التي أنتجت وقتها الخاص من جهة، أو انفلتت بوقتها من عناصر عدة لأوقات لا يُمارس عليها أي إرادة من قبله. أو التأكيد لدوائر التلقي أن هذا وقتي أنا.

في تخريج آخر تبدو لي قيمة الإضافة بربط الوقت باسم صاحبه كردة فعل لسيولة أوقات أخرى سحقت أو انسحقت تحت وطأتها نفوس ذابت أو تلاشت مع هذا الوقت ومكوناته. إذن فذلك الربط في تأويلاته النفسية قد يذهب بنا للاعتقاد بكون الكتابة ذاتها محاولة للحفاظ على هذه الأنوية. التي باتت سياجا يحافظ على "أحمد عايد" نفسه ويحميه من مغبة الانسحاق في ظرفية أوقات أخرى ليس مسئولا عنها. ودون التورط منّا في نعت هذا التوجه لكونه نزعة لنرجسية ينتحلها الرجل؛ كي يؤكد لكون وقته هو الأهم والأبرز إذا ما قورن بأوقات أخرى.

إذن هو وقت أحمد عايد. الوقت المؤشر دلاليا بكل عناصره المتاحة{ الليل/ عصر/ الضحى/ الفجر/ الخريف.. وإن ظل الصباح هو الظرف الذي تكرر كثيرا كإشارة للبدايات وللاستهلال، أو يا ربما نتيجة لمقدمات ليلية لا تخلو من شجن وافتقاد} رغم أن الديوان في علاقته بالوقت يعكس في مجمله إرادة انتخابه، لأنه بالضرورة كان للبوح واستجلاء الرؤى التي قررت في ثنايا هذا الوقت أن تعلن عن كل هذا المخبوء. الغريب أن كل الرهانات التي حاولت أن تصادر على ماهية هذا الوقت قد باءت بالفشل أو تكاد. فالوقت لم يبد مأزوما بالكلية رغم توافر مكونات الأزمة التي يمكن أن نلمسها دون جهد....   

أرفع النبرات مدعيا شجاعة فارس أسطورة
والخوف يملؤني
فكيف سأحرس الأشياء
والأشياء تجهلني وأجهلها.

أزعم وقد يصح زعمي أن الخطة التي سبقت فعل كتابة النصوص كانت على أعلى درجات الانضباط الرؤيوي، وتدرك باليقين ماذا تريد من هذه الكتابة. اتخذت منطق السباحة حول مضامين الأزمة، دون التورط العميق الذي يجعل من النص ضاغطا حد الألم. لا أريد هنا أن أقول: إن محاولات تبسيط الأزمة وعناصرها كان حاضرا، ففي ذلك ظلم ولاشك. لكن ما نستطيع التدليل عليه. هو إعادة توزيع الهموم الخاصة وتحديد شكل العلاقة بين هذه الهموم بمضامين الواقع لحظة لقاءه بتصورات الرجل حياله. لم يكن تهوينا بأي حال، بل أحسبه تساميا فوق الأزمة ومكوناتها الطاعنة. التي من شأنها التعويق الذي ينعكس بدوره؛ كي يُلمح بحضور ذات على قدر من الهشاشة أو تكاد. لذا وجدنا تعاطيا على درجة كبيرة من الرهافة. تخلى طوعا عن هذه اللغة التي تعمق الإحساس ببشاعة الواقع المتماس مع هذه الشاعرية. لغة على درجة من الصفاء البنيوي لا تحمل أنساقا ممتعضة في تطرف، أو كارهة بإلحاح.

بطبيعة الحال ظل الموقف من العالم هنا لا يحمل أي معنى للانسجام الكامل، الاختلاف المتصادم، أو التورط في إشكاليات كبرى، فالرجل يدرك- يقينا- الأزمة، لكنه يؤسس عوالم متوازية قادرة على تجاهلها. أو على أزمات أكثر تخففا وتحللا من عناصرها في ثوب القتام.

إننا نلمس فيوضات تتناول عناصر الرؤية الخاصة حيال مواجيد نفسية تسير بأقدام تكاد لا تلمس الأرض. تسعى بدورها لإبراز معاناة الإنسان ولاسيما المبدع. الذي يريد أن يختط طريقا أقل وعورة، وأخف وطأة، وبأقل خسائر ممكنة للروح. 

إن إشكالية هذه الكتابة – في نظري- إنها لا تنتحل محدودية الرؤية أو أحادية الموقف حيال ما تطمح إليه وطرق تحقيقه. ولا تؤسس لاغترابها كمرجعية تحاكم عالمها. محاكمة تتسم بالإهانة والتشويه. فبحسب الرجل أنه شاعر، يطارد القصيدة والأفكار البكر، التصورات المتجاوزة، شاعرية تسعى لتحطيم النموذج الذي يرى في الاحتجاج العارم مجدا، أو في الصراخ الممجوج قيما فنية تصل بالشعر إلى أقصى درجات التواصل. بل إن هي إلا كتابة تحاول رأب صدع الذات أو إقامة حدا مقبولا من التوائم مع المفردات المأزومة والتوائم الكامل مع مكونات البراءة التي تستطيع أن تنتصر للإنسان في معناه ومبناه قبل أن تنتصر للعالم المرتجى، الذي ينهض فوق ركام كارثة لا تريد الذات الشاعرة أن تقف كثيرا عندها.

هل يكتب الآن قصيدة ً
أم يرتب وقته في دفتر ٍ
أم يقرأ الصحف الرتيبة
أم يداعب قطةً  


في حقيقة الأمر إن الشاعرية التي تستطيع أن تجلب إرهاصات متعددة داخل إطار واحد هي في الأساس تدرك أنها في طور الانفلات من براثن أزمة واحدة إشكالية قد تسيطر على المنتج الشعري إجمالا. لذا لم يساعدنا المتن الشعري على اختلافه وتنوعه أن نتبين ما هو أبعد من المعنى الإنساني للأزمة، ومن جهة أخرى لم يمارس إلحاحا بتفاصيل أزمة واحدة. لذا من الظلم بمكان أن ننعت هكذا معالجة بكونها قد شتت التجربة، بيد أن الإطار العام الذي يحكم الإرهاصة يكمن في وثوبها فوق التقليدي من الشعر الضاغط من أجل عوالم أخرى إنسانية وشفيفة.  

ماذا فعل الله ببلال فضل؟

  في المبتدأ لن أميل لكون ما سأكتبه نقدا أو مراجعة، أو حتى رأي انطباعي، رغم الاعتراف بوجود الغواية الكافية؛ كي أتصدى لقراءة الرجل وأنا مُحمل...