الجمعة، 19 يناير 2018

ماذا يحدث هنا ؟؟!!

منذ فترة وأنا أبحث عن إجابة لهذا السؤال. هل تواطأ الطحان بغيابه على مشروعه الشعري؟؟
(رغم كراهيتي المعروفة لهذه الكلمات.. مشروع/منجز).
لكن، ومع الاعتراف بشُح المتابعة أرى تجربة الطحان وكأنها ملقاة في العراء، ينهش فيها المدَّعون والمستسهلون. حتى إنهم لا يكتبونها وحسب، بل يلقوها على مسامعنا بنفس إيقاع إلقائه، وبذات الشجن إن أمكن.

قلت في حديث مع مُحب للعامية: إن أصعب ما حدث في العامين الأخيرين يكمن في انسحاب "الطحان" من جهة، وتوقف "مصطفى إبراهيم" من جهة أخرى. فالأول يمثل بالنسبة لي أهم من أنتج مفارقة في عامية هذا الجيل، والثاني من أهم من ينتجون النص العامي؛ المُحمل بالأنساق المعرفية التي تعطي للنص ثقلا معيناً حال تلقيه.

لستُ في معرض محاكمة غياب الرجلين. بيد أن الأزمة في نظري أسست تغييبا لنموذجين مُهمين، وأزعم أن النموذجين على قدر من الصعوبة إن حاول الشعراء استنساخهم. فاستراتيجية النص عند أحمد الطحان متى تم استنساخها ستؤول إليه في النهاية، فيظهر بجلاء عظيم التأثر. وكذلك فإن قصيدة مصطفى إبراهيم كنسق معرفي وجمالي قد يبدو استنساخها صعبا، لأنها تحتاج شاعرا مثقفا، أو على الأقل يجيد التأمل في تفاصيل مواضيع نصوصه، ويحسن التعامل معها شعريا. هنالك كانت آفة البحث عن نموذج التي أشرت إليها من قبل تتجه لخطابين شعريين آخرين لا يعانيان أزمة وجود. لكنهما لا يقدمان-غالبا- خطابا جماليا أو معرفيا  يستطيع التعبير عن حقيقة شاعر العامية كما أفهمه(رجل يمتلك موقفا من العالم يعبر عنه جماليا). بل وقد أذهب بعيدا إذا قلت: عامية الأمر الواقع، أو الجماهيرية إذا جاز الوصف.

للصدق لست في خصومة مع هؤلاء. رغم تقديمهم لعامية على معايير التقييم الفني قد تبدو ضعيفة أو تكاد. منظومة بأكبر من كونها خلقا إبداعيا. لكن نجاحها في السيطرة على الجمهور يجعلها مقبولة للباحثين عن النموذج الأكثر يسرا من غيره. ومن ثم تجاوز فكرة الاختلاف التي تؤصل فرادة الصوت الشعري وبصمته الخاصة. فحدث على ضوء الحالة هذه ذلك التشابه الملفت.

في حقيقة الأمر وهنا أخاطب المستسهلين، لا المدَّعين؛ لأن الحديث للمدَّعين يظل عبثيا إلى درجة:
إن الوقوع في أسر تقليد نموذج، يوقع النصوص في ذهنية قد تضر بالشعر، بمعنى أن الانشغال بالأسلوب وقاموس الشاعر الخاص الذي يراد تقليده، مؤكد سيغتال أفكارك الخاصة عن موضوع معين تريد الكتابة فيه. ستضطر للإيمان بالشكل وتغييب المعنى. والاستسلام للنظم والصنعة كتعويض لغياب الإبداع. والأصعب تعطيل مواهبك لحساب النموذج الذي تعتقده أشد منك أثرا وقيمة من وجهة نظرك، والمؤسف على موازين السوق، وليس للقيمة الفنية.  

لكن، وعند هذا الحد لم تنتهِ الأزمة. ففي العقل الباطن للشاعر الذي يتم تقليده تحدث إشكالية كبيرة. فعند لقاء شعر مُقلديه تأخذه العزّة أنه مصدر إلهام وغواية. في البداية يحاول أن يخفي هذا الشعور، لكنه يفشل، ومن ثم ينتحل غضبا مصطنعا أن الآخرين يقلدونه. رغم إيمانه أن قراء العامية يدركون هذا التأثر أو القليل منهم. فيحضر طيفه وأثره والآخرون يتلون شعرهم المتأثر به وكأنهم يؤصلون لصوته وعبقريته في إشارة مبطنة لأستاذيته لهذا الجيل. بيد أن ذلك الشعور المغوي، لن يستقيم مع طبائع الأمور. فهو الآن يقلدك، لكن غدا قد يتجاوزك ويجعل من تجربتك شيئا من الماضي. لأنك يقينا لم تتطور. ولم تتخذ من تقليدهم لك دافعا للتجاوز. وهذا المعنى حتى مع توفر أسبابه في محيط الشعراء. أصبحت أشعر به كحالة تواطؤ أكبر من حظيرة الشعراء. بل قد تنسحب على تدشين دور النشر لشعراء يكتبون بهذه الطريقة التي تكتب بها الأيقونات الحالية. في معالجة تجارية لفكرة أعمار جمهور الشعر واحتياجاتهم الضرورية من القصيدة. فنأتي بأصوات جديدة قريبة ومجايلة لجمهور التلقي. وهكذا تدور العجلة؛ لأن الأيقونات مؤكد ستكبر وتنضج، وبالتالي خطاب المُحن لن يكون لائقا إذا صدر منهم. وكأن المحن قد صار علينا قدرا محتوما.


على كل حال. مازلت مؤمنا أن الحقيقيين موجودون، وأن هذا الزحام سينحسر يوما. وأن العامية كالدنيا. من يصارعها هزمته.    

ماذا فعل الله ببلال فضل؟

  في المبتدأ لن أميل لكون ما سأكتبه نقدا أو مراجعة، أو حتى رأي انطباعي، رغم الاعتراف بوجود الغواية الكافية؛ كي أتصدى لقراءة الرجل وأنا مُحمل...